
لقاء سبيل :
المقدمة: في العدد الحالي رقم 159 من “ساخر سبيل” لهذا الشهر، يطيب لنا لقاء ضيف عزيز وصديق قديم من أسرة عربية غزّية كريمة، عايشتها سنوات طويلة أيام العمل معلماً وموجهاً في البلاد العربية منذ أكثر من ثلاثين عاماً.
التقي اليوم مع د. ياسر أبو طه، طبيب الأسنان والشخصية الناشطة في المجتمع العربي الكندي بمختلف المجالات الاجتماعية وتحديداً الأسرية. سنتحدث مع ضيفنا اليوم في ثلاثة محاور وهي:
1. الأسرة والتربية والاندماج.
2. المراكز الدينية والأنشطة الثقافية والاجتماعية ودورها في إيجاد جيل عربي كندي مرتبط بلغته العربية وتراثه، وفي نفس الوقت مندمج مع مجتمعه الجديد.
3. العمل الخيري الإنساني وخاصة في مؤسسة الأمل الخيرية. قبل الولوج بالمحاور، لنبدأ بنبذة عن شخصيتنا اليوم.
***
س1: حبذا لو تكرمت بإعطاء القارئ العزيز نبذة موجزة عنكم، وخاصة سبب هجرتكم لكندا؟
ج1: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ، اسمي ياسر أحمد أبو طه. طبيب اسنان فلسطيني كنت أعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة، وأمارس مهنة تجارة المواد الطبية. حتى أكرمني الله عز وجل بزوجة وأبناء، وعندما نظرت إلى أحوالنا كفلسطينيين، وجدت أن من المهم جداً أن تكون لنا جنسية تساعدنا في هذه الحياة وتدعمنا عند الاحتياج لها، فتقدمت للهجرة إلى كندا. كان باب الهجرة مفتوحاً لمن لديهم شهادات وخبرات معينة، والحمد لله بعد فترة من الزمن وتقديم الأوراق، هاجرنا إلى كندا منذ حوالي 19 سنة. يمكن تلخيص سبب الهجرة الحقيقي في عدم وجود جنسية وانعدام الاستقرار، والحمد لله نشعر بهذا الأمان الآن. والسبب الثاني أنني أردت أن أوفر لأبنائي أفضل مكان وتعليم وصحة، وفرصة ليكونوا مبدعين أقوياء في كل مجالات الحياة، حيث توفر كندا الكثير من هذه الأمور للمهاجرين إليها.
س2: المحور الأول عن الأسرة والتربية والاندماج.. د. ياسر نستفسر منكم وأنت الأب والجد، هل نحن غرباء عن أولادنا؟ وكيف يمكن أن نعيدهم إلينا مع استمرارية تناغمهم مع المجتمع الجديد؟
ج2: بشكل عام، نعم، نحن غرباء عن أبنائنا، وهذه الغربة سببها أمران أساسيان. الأمر الأول أن الفرق العمري وفرق الأجيال أمر طبيعي يفصل ما بين الأبناء والآباء. والأمر الثاني هو الفرق الشاسع بين الثقافة التي تربينا فيها كآباء وأمهات، وبين الثقافة التي تربى عليها أبناؤنا في كندا وفي الغرب عموماً. أما بالنسبة لكيفية أن نعيد أبناءنا إلينا أو إلى ثقافتنا مع استمرارية تناغمهم مع المجتمع الجديد، فهذا أمر ممكن ولكنه صعب. هي معادلة تحتاج إلى الكثير من الاستحضار وفهم الواقع وفهم التحديات التي تواجه الجيل الجديد، وخصوصاً في وجود ثورة المعلومات والتكنولوجيا.
إذا فهمنا التحديات واستطعنا في نفس الوقت أن نحافظ على العلاقة القوية المقدسة بيننا وبين أبنائنا في هذه الغربة – وخصوصاً أننا تغربنا من أجلهم – ففي هذه الحالة نستطيع إلى حد كبير أن نستخدم هذه الفروقات بين الأجيال لصالحنا ولصالح علاقتنا. وأعطي مثالاً هنا: يجب أن نتعود على استخدام الأدوات الحديثة التي يستخدمها أبناؤنا في تلقي المعلومات واستنباط الثقافة، مثل التكنولوجيا الحديثة والألعاب والأدوات المدرسية. يجب أن نتعلم استخدام هذه الأدوات حتى تساعدنا على التواصل الذكي والعاطفي الذي يقرب بيننا وبينهم، ونوصل لهم معلومات مفيدة تساعدهم على فهم ثقافتهم الأصلية.
الأمر الثاني هو أن نضع أبناءنا وزوجاتنا وأنفسنا في المجتمع العربي المتدين الملتزم، الذي يساعدنا على تشكيل هويتنا وثقافتنا. حيث يكون هذا المجتمع عاملاً للتوازن بين ما يتعلمه أبناؤنا في المدارس والشارع والتجمعات، وبين ما يريده الآباء والأمهات من غرس للثقافة والهوية واللغة والدين.
أرجع وأقول: هناك صعوبة في أن نحمي أبناءنا من ثقافة التغريب القوية، ولكن مع هذه الصعوبة تأتي متعة المعركة؛ المعركة بين الحفاظ على الأصل والهوية، وحمايتهم من سلبيات الثقافة الغربية. فليست كل ما في الثقافة الغربية سيئاً أو سلبياً؛ نأخذ منها ما يناسبنا لنكون شخصية متعادلة تستطيع أن تنتج في هذه البلاد الجديدة التي أصبحت لنا وطناً، وفي نفس الوقت لا ننسى الأصل والدين والعرق والعائلة والثقافة التي أتينا منها.
س3: من تجاربكم مع أبناء المجتمع العربي الكندي.. بماذا تنصح الأسر العربية هنا كي تساعدهم في تأسيس الزواج الناجح وتكوين أسرة مستقرة وتقليل الأرقام العالية لحالات الطلاق؟
ج3: جواباً على هذا السؤال، فيما يخص تأسيس زواج ناجح وتكوين أسرة مستقرة، يجب أن نحتك بالأسر العربية التي تشبهنا في الثقافة والاهتمامات العامة. ويجب أن نشجع أبناءنا على أن يكونوا صداقات منذ الطفولة مع أبناء الجالية العربية والمسلمة. بحيث عندما يأتي السن المناسب للزواج، يجد ابني أو ابنتي من يرتبط به أو بها عاطفياً وفكرياً وثقافياً، ويكون الأهل من الطرفين راضين عن هذا الارتباط، بل ويشجعون عليه ويدعمونه بكل السبل.
إن لم نفعل ذلك فالثمن كبير، حيث سيختار الابن أو البنت شريك حياتهم من المجتمع الذي يختلطون فيه، وإن كان هذا المجتمع هو المجتمع المغاير والمختلف ثقافياً ولغوياً ودينياً عنا. فسنجد أنفسنا في ورطة أن الابن يريد أن يتزوج زميلته في المدرسة أو الجامعة أو العمل، والتي قد تكون من أصول وأعراق ولغة ودين وثقافة مختلفة 100%. ويجد الأب والأم أنفسهم لا يستطيعون أو يضعفون أمام هذه الرغبة الشديدة، ولا يستطيعون إقناع ابنهم بأن هذا الاختيار قد لا يؤدي إلى استقرار، بل غالباً يؤدي إلى عدم الاستقرار والفرقة والغربة الأشد وتبعاتها الكبيرة.
لذلك الأصل أن نكون أسرة مستقرة من خلال العمل على إيجاد بيئة خاصة ناجحة وإيجابية، نقلل فيها من التغريب ونزيد فيها من الاحتكاك بأبناء الجالية.
أما بخصوص الأرقام العالية لحالات الطلاق، فأحد أسبابها الرئيسية هو عدم تجهيز الأبناء والبنات بما يكفي من معلومات ودورات ونصائح من الخبراء والأم والأب والمسجد والجالية. عدم تجهيزهم لكي يكونوا أزواجاً صالحين وزوجات صالحات، وكيف يكونوا آباء وأمهات ناجحين، وكيف يتعاملون مع تحديات المجتمع وصعوبات الحياة التي تزداد كل يوم. هذا النقص في التجهيز وقلة الدعم الثقافي والمعنوي والعلمي يجعل أي زواج عرضة لأن لا يكتمل.وأيضاً عندما تحدث الخلافات بين الزوجين، وخصوصاً في المراحل المبكرة، فإن الضامن الوحيد لحل هذه الخلافات هو التدخل الإيجابي من الخبراء وطلب النصيحة من أهل الإدراك والوعي والحكمة للإصلاح بين الزوجين. إذا لم نفعل ذلك، نقع للأسف في مسألة زيادة حالات الطلاق بين الأجيال الحديثة، لأنهم ليس لديهم صبر ولا مرجعية ولا أهل يدعمونهم بالشكل المناسب لاستمرار الحياة الزوجية. لكن إن كان هذا الدعم والوعي والتدريب موجوداً، فبإذن الله تقل حالات الطلاق ولا تزيد.
س4: ما هي طبيعة العلاقة المُثلى بين الأب والأم وبين الآباء والأبناء وأبرز التحديات في المراحل العمرية المختلفة؟ وما تعليقك على هذه العبارة “بيت تسمع به العربية تصان به الهوية”؟
ج4: سؤالكم هنا ذو شقين؛ شق له علاقة باللغة العربية، وشق له علاقة بالعلاقة المثلى بين الأب والأم. أبدأ بالأهم صراحة وهي العلاقة المثلى بين الأب والأم.
من خبرتي الشخصية وخبرتي في التدخل للعلاج أو للمصالحة بين الأزواج، أكاد أجزم أن أكثر من 90% من المشاكل التي نواجهها في تربية الأبناء – وخصوصاً في العمر الحساس من سن الثالثة عشرة إلى الثامنة عشرة (سن المراهقة أو السن الحرجة) – يكون سببها عدم الاستقرار في العلاقة بين الأب والأم أصالةً. هذه العلاقة إن لم تكن مستقرة ومثالية بقدر الإمكان، نجد أثرها في الأبناء ولو في مرحلة لاحقة تأثراً شديداً. فإن كان الأبناء قد تربوا في بيت تزداد فيه المشاكل والصراع والصراخ، ويقل فيه التفاهم والحب والوئام، وتكون العصبية هي التعامل الأكثر استخداماً، وقد يغضب الزوج أو الزوجة فينعزل بنفسه عن العائلة فترات؛ كل هذه الأمور لا تؤدي إلى جو صحي يتربى فيه الأبناء والبنات بطريقة مثالية. وهذا يؤثر 100% عليهم في مراحلهم العمرية المختلفة، وأقل ما يحدث أنهم لا يكون عندهم الذكاء العاطفي والاستقرار النفسي لمواجهة التحديات الاجتماعية وتحديات الشارع خارج المنزل. لذلك أدعو جميع الأزواج والزوجات إلى اعتبار العلاقة بينهم مقدسة، والحفاظ على السكينة والوقار والاحترام المتبادل والتفاهم الذكي بأفضل وأهدأ الطرق السلمية. إنها ليست فقط مهمة للحفاظ على العلاقة الشخصية بين الزوجين، بل هي مهمة لتوفير جو رائع ومثالي لنمو واعٍ للأبناء يحميهم من مشاكل المستقبل ويعطيهم الاستقرار النفسي المطلوب لنربيهم أحسن تربية.
الشق الثاني من السؤال عن اللغة العربية: أكيد أن اللغة العربية إن دخلت البيت وعششت فيه، فهي تساعد على استقرار الثقافة لأن اللغة هي وعاء الثقافة، وأيضاً استقرار الوعي الديني وممارسة الشعائر. لأن ديننا الإسلام الحنيف قد نزل باللغة العربية، وكل تعاليمه باللغة العربية، ولا يكفي أن تترجم إلى لغات أخرى؛ بل الفهم الأجمل والإدراك الأعمق والاتباع الأكثر سهولة على القلب يكون باللغة التي نزل بها ديننا. فاللغة العربية تقوي العلاقة بين الأبناء ودينهم وثقافتهم، وتقوي العلاقة بين الأبناء والآباء حيث تقل الفجوة بين الثقافات إذا كانت اللغة المستخدمة في الحياة واحدة.
س5: لننتقل للمحور الثاني: لم يعد دور المراكز الدينية ودور العبادة مقتصراً على أدوارها التقليدية كأماكن للعبادة والتعليم الديني، إنما صار لها أدوار عديدة أخرى. من هنا يبرز السؤال التالي: كيف يمكن أن تلعب دور العبادة – وأبرزها في مجتمعنا العربي الكندي المسجد والكنيسة – في دعم وتعزيز الانتماء الروحي والاجتماعي وترسيخ قيمنا، وبنفس الوقت الانسجام مع مكونات المجتمع الكندي الغني بثقافاته المتعددة؟
ج5: هذا سؤال مهم جداً. نعم، المراكز الدينية ودور العبادة في الغرب عموماً وفي كندا خصوصاً لا يجب أن تقتصر على الصلوات والدعاء ورمضان فقط. وكوني مسلماً سأتحدث عن دور المساجد.
الحمد لله، المساجد في كندا ليست فقط أماكن للعبادة، لكنها مراكز مجتمعية وثقافية ومدارس دينية ودنيوية، وأماكن للتعارف بين أبناء الجالية، ومشاركة الأفراح والأتراح. حيث تجد من يتزوج ويخطب في المسجد، ويعمل العقيقة ويدعو الناس، بالإضافة لعمل ندوات ثقافية وشعرية وأمسيات حوارية ومسابقات ثقافية ورياضية. فكثير من المساجد لديها نوادٍ رياضية، وتخرج بمخيمات صيفية وشتوية ورحلات عمرة وحج. فأصبح المركز منارة دينية وثقافية واجتماعية تجمع حولها الجالية. وتجد في كثير من المدن في كندا وأمريكا أن المسجد حوله كمية ضخمة من السكان من أتباع نفس الدين والهوية الذين يريدون أن يجاوروا هذا المكان ويمشوا له مشياً، وهذا رأيناه في كثير من المدن مثل ميسيساجا وأوكفيل وديربورن وغيرها. دور المسجد مهم، وإن قصر المسجد وإدارته في هذا الدور فندعوهم أن ينتبهوا، لأنه يكمل دور الآباء والأمهات في الحفاظ على الأبناء وهويتهم ولغتهم والتزامهم بدينهم وعاداتهم وتقاليدهم.
س6: المدارس الخاصة الإسلامية والمسيحية في كندا، لماذا يلجأ إليها بعض أولياء الأمور؟ هل هي أفضل من مدارس الحكومة؟ وهل هذه المدارس الخاصة مدعومة من الحكومة الكندية؟
ج6: المدارس الخاصة الإسلامية في كندا ليست مدعومة من الحكومة نهائياً. وهي أفضل جداً للحفاظ على أبنائنا وهويتهم ولغتهم ودينهم مقارنة بعدم وجودها. لأن المدارس الإسلامية توفر جواً منضبطاً يخدم الأهداف التي تريدها الأسرة لأبنائها، وفي المقابل لا تفعل المدارس الحكومية ذلك. فالمدارس الحكومية تثبت وتخدم الثقافة الغالبة في المجتمع وهي الثقافة الغربية العلمانية الرأسمالية الفردية، التي تتقاطع أحياناً وتختلف أحياناً أخرى مع ديننا وثقافتنا. فأدعو من هذا المنبر أن كل من يستطيع أو تسمح ظروفه المادية أن يضع أبناءه في مدارس خاصة إسلامية فليفعل، حتى لو اضطر أن يضغط على نفسه مادياً. لأن الاستفادة تتمثل في تثبيت الصحبة الصالحة، وإعطاء مساحة كبيرة للتعرف على ثقافتهم ودينهم وعلى الجالية التي ينتمون إليها. والمدارس الإسلامية أيضاً لديها واجب تفعله (وهي صراحة تفعله)، وهو أنها لا تجعل الطلاب يشعرون بعدم انتمائهم إلى المجتمع الأكبر. فمن واجبها عمل برامج مشتركة مع المدارس الأخرى لربط الطالب المسلم مع مجتمعه، وتدريسهم حقوقهم وواجباتهم كمواطنين كنديين، وإعطائهم المهارات لينخرطوا في المجتمع ويعملوا فيه. لأن مصيرهم سيكون في جو العمل الذي يحتوي على جميع الجنسيات والديانات. وواجب أولياء الأمور أن يكملوا متابعتهم مع الأبناء بعد الرجوع من المدرسة ليتأكدوا أن ما تعلموه يصب في مصلحة الأبناء ويعزز الهوية والثقافة.

س7: حدثنا عن الفروق بين التجمعات العربية في أوروبا ومثيلاتها في كندا؟ وكيف يؤثر ذلك على أسرنا وعلى العلاقة بيننا وبين حكومات تلك البلدان؟
ج7: سؤال جميل جداً. الفرق الذي رأيته شخصياً من خلال سفري بين أوروبا وأمريكا وكندا، أننا هنا في كندا محظوظون بوجودنا في قارة تأسست في عهدها الحديث منذ مئات السنين على المجتمعات المهاجرة من مختلف دول العالم. والتي كونت ما نسميه في كندا “مجتمع الموزاييك”، حيث تعدد الثقافات والأعراق والديانات كوّن نسيجاً اجتماعياً قوياً وجديداً اسمه كندا. وهذا يختلف تماماً عن المجتمعات في أوروبا، فمثلاً المجتمعات العربية في هولندا أو بلجيكا أو ألمانيا هي مجتمعات أقلية لا تتجاوز 10% إلى 20%. ويكون المجتمع الأكبر عدداً هو الذي ينتمي عرقياً لتلك البلاد منذ مئات السنين، فتعكس السمة العامة للدولة السكان الأصليين. وبالتالي يشعر المهاجر هناك بصعوبة الحفاظ على ثقافته، ويجد صعوبة في الانخراط خوفاً من الذوبان. وللأسف نسبة الذوبان في المجتمعات الأوروبية للثقافات الأقل حجماً كبيرة، والقوانين هناك قد فُصلت لكي يذوب المهاجر في ثقافة السكان الأصليين. أما المجتمعات الكندية والأمريكية فالعكس تماماً؛ النظام الحكومي لا يدعو للذوبان في ثقافة الآخر، بل يدعو للحفاظ على ثقافة المهاجر ولغته واحترام ثقافة المختلف. وهذا يتيح وجود تربة خصبة للإبداع وتطوير كل جالية لنفسها مع الحفاظ على هويتها من غير خجل، لتكون نسيجاً عاماً للمجتمع والوطن الجديد.
س8: كيف يمكن للأنشطة الثقافية والفعاليات الإعلامية ووسائط التواصل الاجتماعي أن تساعد أبناء المجتمع العربي الكندي، وخاصة الصغار والأسر الجديدة، بالمحافظة على لغتهم وثقافتهم العربية وتطويرها في مجتمع متعدد الأعراق ومنفتح على كل الثقافات؟
ج8: للأسف الشديد هناك تقصير من الأنشطة الثقافية والفعاليات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي في توصيل أهمية اللغة العربية إلى أبناء الجالية، وخصوصاً المولودين في كندا. حيث يطغى الاستسهال في توصيل الرسائل من خلال اللغة الإنجليزية المستخدمة بكثرة في المجتمع الكندي. لذلك تصبح اللغة الإنجليزية هي لغة أبنائنا الأولى التي يعبرون بها عن مشاعرهم ويستوعبون دروسهم. ويستسهل الإعلاميون العرب والقائمون على النشاطات إيصال المعلومة للجيل الصغير بالإنجليزية لأنها الأقرب والأسهل لقلوبهم. هذا التقصير يؤدي على المدى الطويل إلى اختفاء تدريجي للهوية العربية. وبصراحة هناك جهود طيبة تحاول تقليل سرعة التغريب، لكن النتائج بشكل عام سلبية؛ فمن كل 100 طفل ولد في كندا أو هاجر صغيراً، لا تجد 5% يفهمون ويتحدثون العربية، وإن تحدثوها لا يكتبون ولا يقرؤون بها. الحل حالياً أقرب للفردية، حيث تأخذ بعض الأسر أبناءها لبلاد عربية ليعيشوا هناك بضع سنوات لإعادة تأسيس اللغة، وهذا حل ناجح لكن قلّما يستطيع الجميع وله تبعات. على المستوى العام للجالية هناك تقصير شديد، وهذه ضريبة يدفعها المهاجرون الذين استقروا في الغرب، وخصوصاً في أمريكا الشمالية لبعد المسافة عن الأوطان الأصلية.
س9: المحور الثالث.. سمعنا وشاهدنا أنشطة إنسانية عديدة لمؤسسة الأمل الخيرية الكندية والتي تعمل تحت إشرافكم لخدمة الأيتام بفلسطين والسودان وغيرهما. هل لنا بفكرة عن هذه المؤسسة من حيث أهدافها وإدارتها وكيفية مساعدتها وإنجازاتها الحالية وخططها في المستقبل؟
ج9: “مؤسسة الأمل الخيرية الكندية العالمية” أتشرف أني أعمل فيها بشكل تطوعي. وهي مؤسسة خيرية تعنى بجمع التبرعات من خلال الإنترنت (أون لاين) ومن خلال التعاون مع المساجد والتجمعات العربية والإسلامية. حيث نقدم فكرة عن المؤسسة وأهدافها، والناس يعجبون بهذه المشاريع ويتنافسون في دعمها كصدقة وزكوات أموال ودعم للمحتاجين. حالياً تعنى مؤسسة الأمل الخيرية بالتبرعات الطبية والتعليمية والإنسانية للمناطق التي تعرضت للكوارث؛ سواء كوارث حروب مثل فلسطين والسودان وسوريا، أو الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات في باكستان والجفاف في بعض مدن أفريقيا. هذه الأمور مهمة جداً وندعو الجالية لدعمها، فالمؤسسة هي جسر بيننا وبين عمل الخير الذي يجعل لحياتنا معنى، ويطهر أموالنا بالزكاة، ونعلم أبناءنا من خلالها أهمية الصدقة والتطوع.
س10: ماذا تقول لمن يرغب بترك كندا والعودة لبلده الأصلي؟
ج10: سؤال جميل. كل شخص لديه الحرية أن يختار ما يناسبه ويناسب أسرته ومجال عمله. أنا شخصياً أحب السفر وأحب أن أجرب حياتي في أكثر من مكان وأستثمر وقتي وخبرتي. لذلك لا أمانع أبداً من أن يعود الإنسان إذا أراد إلى بلده الأصلي، ويفيد أبناء بلده بالخبرات التي حصل عليها من غربته، ما دام الأمر فيه فوائد للأسرة ثقافياً ودينياً ومادياً واجتماعياً. ومن أهم فوائد العودة – سواء مؤقتة أو دائمة – أن يعيد الإنسان التواصل مع الأرحام (الآباء والأجداد والأعمام) وهو أمر نفقده في الغربة. لكن إن كان الرجوع سيكون على حساب تضحيات جسيمة أو تفرق الأسرة (بعضها يبقى وبعضها يذهب)، وينبني عليه خسارة كبيرة، فلا أنصح بذلك كبديل. بل أنصح بالزيارات المدروسة المتكررة التي تربط بين بلادنا الأصلية وبلادنا الجديدة، فهذا وطن وذاك وطن، وواجبنا أن تكون لنا بصمة في كل وطن نعيش فيه.
***
الخاتمة : حقيقة سررنا واستفدنا من هذا اللقاء مع د. ياسر أبو طه، لما تضمنه هذا اللقاء من إجابات علمية وصريحة لقضايا تهم كل االأسر وخاصة التي تعيش في ديار الغربة. فباسمكم وباسمي أتقدم للدكتور أبو طه بجزيل الشكر وعظيم الامتنان على مشاركته لنا بالاجابة على تلك الاستفسارات ولكل نصائحه المقدمه لأصحاب العلاقة. نتمنى للدكتور ياسر و لآل ابو طه الكرام في الوطن والشتات، حياة عزيزة كريمة في وطنهم، أرضهم، عزتهم، غزة الأبية .
***



