كنديات

عابر سبيل ص4 العدد 133

كتبت : شيرين بسيسو .. بعنوان هند المونوليزا

عابر سبيل
هند … مهندسه الديكور

كتبت : شيرين بسيسو – ميسيساغا اونتاريو
**
*
إذا كانت المونوليزا سبب في حيره العالم بابتسامتها، فإن هند كانت السبب في حيرتي أنا.. فهند أم لأربعة أولاد أكبرهم قد تخطى العشرين بعام واحد و أصغرهم ما زال تحت العاشره من العمر، أما هي ففي التاسعه والثلاثين.. هند مزيج من طفله وإمرأه ، ولكن جانب الطفله يطغو أكثر .. الطفوله لم تكن في تصرفاتها بل ببراءه ملامحها و إبتسامتها ، تلك الابتسامه التي تضيئ و جهها ولكنها لا تستطيع مسح كميه الحزن من عينيها..لاول مره أرى هذا الكم من التناقض في الملامح و جه يحمل ملامح الحزن والفرح، في نفس اللحظه هند ليست متعلمه أما انجليزيتها فقد كانت محدوده جدا . ربما تكون قصه هند مشابهها لكثير من القصص التي مرت عليّ و عليكم. وحتي لا استرسل بالحديث عنها لانبهاري بها أترك لكم الحكم.
( هنوده )..كما تحب أن يطلق عليها تنتمي الي احدى قرى الوطن العربي الذي يؤمن مجتمعه ان المرأه ناقصه العقل و أنها هم يحمله الاب او الاخ الي ان تشحن الي بيت زوجها وانه لا داعي لتعليمها ففي النهايه مصيرها الى بيت زوجها.. مجتمع هند كان يقبل زواج القاصر برجل شايب قد يصل الي عمر جدها ..مجتمع ينصب الزينه و الافراح و يمدون الموائد احتفالا باغتيال طفوله فتاه تحت مسمي الزواج. في تلك القريه و في ذلك المجتمع نشأت هند و تقبلت كل ما قيل لها ، لم تنل الا القسط البسيط من التعليم ثم أخرجت من المدرسه لتساعد في امور المنزل و تتعلم كيف تكون زوجه الي ان يأتيها النصيب و عندما اتي ذلك النصيب اتى بصوره رجل يكبرها ب 31 سنه متزوج و لديه من الاولاد من كانوا تقريبا في سنها ..اراد ذلك الرجل لعبه جديده ليلهو بها و كان مقتدرا و بقدرته الماليه إشترى هند. بيعت هند بعقد أطلق عليه عقد زواج، عقد كان يجب ان يحمل كلمه عقد بيع وليس و ثيقه زواج. إنتقلت هند الي ذلك البيت الكبير لتقيم مع ضرتها و اولاد زوجها فالزوج لم يقبل ان يسكنها في مكان اخر كان يريدها امامه دائما. كانت هند تطلق لقب خالتي علي ضرتها و كانت تعامل كطفله من اطفال زوجها سواء منه او من زوجته ، لم تكن هند تعامل كإمرأه لا عندما يريد زوجهها حقه الشرعي ذلك الحق الذي افضى عن اربعه اطفال ، لم تكن هند تستطيع الشكوي او اللجوء الي أهلها ، فكيف تلجأ الي من باعوها و قبضوا الثمن. قبلت هنوده بالامر الواقع و كرست طاقتها الي تربيه اولادها و رعايتهم ، كانت كل ما تطمح له ان تغادر ذلك البيت الكبير الذي يضمهها هي و ضرتها و اولاد زوجهها فقد كبرت هند و بانت عليها ملامح الانوثه و كبرت الضره و بان عليها ملامح الشيخوخه اما اولاد الزوج فقد بدؤوا باذيه اخوتهم من هند بناءا علي توصيات والدتهم.. في كل هذا هارون الرشيد، الزوج، كان مستمتعا بكل شيئ، مستمتعا بجمال و انوثه هند و خنوعها ، مستمتعا بوجود الاولاد والاحفاد حوله و مستمتعا بمحاولات الزوجه الاولي لارضاءه دوما لتحظي باهتمامه و تبهده عن ضرتها الجميله. مرت السنين و من خلال الاولاد و تعليمهم حرصت هند ان تتعلم منهم ، اصبحت تحاول ان تقرأ و تثقف نفسها و بدأت في شراء المجلات و قراءتها وحدها كانت تستهويها مجلات الديكور والفنون احبت هند الالوان والتصميمات و بدات تحاول ان تفهم في ما كان متاحا لها من الوقت مبادئ التصميم و مزج الالوان و الخامات .. كانت تأخذ احتياجات الاولاد للادوات الدراسيه والالوان لتشتري ما تريد لنفسها بدأت تطبق ما تتعلمه من خلال تجاربها البدائيه و قراتها في تغير الوان و ديكورات المساحه البسيطه التي تسكن فيها مع اولادها. حمدت هند الله و شكرته لانه انعم عليها بالاولاد فقط فهم الصفوه عند ابيهم و من خلالهم و من خلال تعليمهم واحتياجاتهم تعلمت هند وتحولت من فتاه صغيره مغلوبه علي امرها الي ام واعيه تهتم بعقلها و كيانها و لكنه للاسف اهتمام سري كمنشورات المظاهرات. كانت تعلم انها لو اظهرت معرفتها او ابدت رايها فستعاقب بحرمان من مجلاتها و كتبها و سوف تحبس في البيت حبسا انفراديا فقد كان خروجها فقط مرهون باحتياج اولادها. الاولاد وعوا تماما لما كان يحدث حولهم و بداوا في الوقوف بجانب امهم خاصه الاكبر سمير، كان كلما عاد من مدرسته يحضر لها المزيد من الكتب او المجلات و اصبح يتصدي لاي احد في المنزل يحاول ان يؤذيها او يقسو عليها لدرجه انهم اصبحو يطلقون عليه ابن امه . لم يكن الموضوع سهل على هند و هي تري سمير يعاني من اهل البيت و من ابوه و لكن لم يكن امامهم حل اخر، هنا ابتسم سمير والذي كان بصحبه والدته و قال و لان دوام الحال من المحال كان لابد من التغير و جاء التغير من خلال اضطراب في الامور السياسيه افضت الى حروب في تلك المنطقه.
مرت سحابه حزن علي وجه هند و سمير و هم يقصون ما حدث لهم من ويلات و كيف ان ذلك المنزل الكبير الذي عاشوا فيه جميعا قد تساوي بالارض بعد نزول قذيفه عليه. توفي الزوج نتيجه لقصف المنزل و نجت هند باولادها و ضرتها . اما اولاد زوجهها جميعا فقد كانوا قد غادروا المنزل الكبير فمنهم من انتقل الي بيت اخر بعد ان تزوج و منهم من انتقل خارج المدينه للعمل. في لحظه انتهي كل شئ لم يعد هناك زوج ، عقارات او اموال كله تساوي بالارض .. عادت هند مع الاولاد الي منزل والدها والذي كان يقطنه في ذلك الوقت اخوها و زوجته و اولاده ام الضره فقد ذهبت لتعيش مع احد اولادها في منزله. لم تكن المعيشه في بيت الاخ بافضل حال من منزل الزوج فزوجه الاخ بأدت تتأفف من وجود هند و اولادها في المنزل ام الاخ فقد طلب من هند ان يذهب الاولاد للعيش مع اخوتهم من والدهم فهم احق بهم من الخال.. أحست هند ان الدائره بدأت تضيق عليها من جديد و ان فصل من فصول القسوه بات وشيكا ان يطرق بابها و لكن هذه المره بإبعاد اولادها عنها. تكومت هند هي و الاولاد في غرفه من بيت اخيها و طلبت منه مهله قصيره لتدبر نفسها و امورها.. اخبرته انها لن تتخلي ابدا عن الاولاد و انه لا احد احق بهم سواها و انها سنتقل هي و الاولاد الي مكان اخر خاصه و ان سمير قد اصبح شابا و سيقف معها و مع اخوته. بحثت هند و رفيقها في الكفاح سمير عن كل الوسائل و الطرق التي ستمكنهم من الخروج من منزل اخو هند و عمل الاثنان في عده اشغال لتوفير ماكلهم و عدم اعتمادهم علي الخال الي ان شاءت الاقدار ان يجتمعوا باشخاص اخبروهم عن برنامج يستطيعون من خلاله الانتقال الي كندا.. كان الموضوع بالنسبه لهند و سمير مسأله حياه او موت فهاهي فرصه العمر تدق علي الباب للخلاص من كل الالام و الاحزان. جندت هند واولادها انفسهم لاستكمال جميع الاوراق للهجره كانوا يفيقون و ينامون و حلم واحد يعيش بين اعينهم البدايه من جديد و الانتقال الي مكان امن . لم يمر الكثير من الوقت و جاءت هند و اولادها الي كندا..جاءت محمله بجروح و الالام وكذلك امال و رغبه في الحياه. دخل الاولاد المدارس و عادت هند الي هوايتها الاولي في الديكور و الالوان والخامات . كان العائق لتعود هند الي مقاعد الدراسه الشهاده و اللغه . فهند فهي لم تكمل حتي المتوسطه و لم تتحدث او تستخدم الانجليزي في حياتها و لكن لان لكل مجتهد نصيب فقد سخر الله لها سبيل التعارف علي احدي السيدات التي تعمل بالعقار ، في بادئ الامر كان عملها عند تلك السيده يقتصر علي تنظيف البيوت التي ستعرض للبيع في السوق. كانت تلك السيده سعيده جدا بهند و بعملها لذلك كانت تحرص دوما علي الاستعانه بها الي ان حدث في يوم ما غير من مجري الامور. فقد طلبت السيده من هند ان تنظف احد البيوت وان تعطيه اهتماما كبيرا لان عائد بيع ذلك البيت سيكون كبيرا ، نظرت هند الي ما حولها ووجدت الكثير من الفخامه والكثير من قله الذوق في الترتيب. تلاحق الأحداث كان كفيلاً بتغير مجرى حياه هند بالكامل، فقد اخبرتها السيده انها ستأاتي لرؤيه المنزل في اليوم التالي ، دارت فكره مجنونه في عقل هند وبعد ان نظفت المنزل تماما ذهبت الي احدي محلات الاصباغ والديكورات واشترت ما لزمها لتغير المنزل راسا علي عقب. الاثاث ما زال الاثاث و لكن اضافات هند لبعض المرايا و الشموع والتحف غير المكان تماما اضافه الي تغيرها الالوان في بعض الاماكن كان كفيلا باضفاء رونق ومساحه للبيت. عندما جاءت السيده الي المنزل في اليوم التالي بهرت بما رات و بهرت اكثر بهند و مجهودها و ذوقها. بيع البيت بمبلغ محترم و اخذت هند مكافاه مجزيه علي عملها لكن هذا ليس كل شئ فقد استطاعت هند من عملها الدائم لتلك السيده من توفير مبلغ من المال جعلها تشتري منزلا لها تملكه هي و الاولاد و اصبحت هي و سمير يعملان في تغير نظم المنازل من الداخل لاعدادها للبيع. هند فتاه القريه غير المتعلمه و التي زوجت في السادسه عشر لتعيش و تنجب مع زوج يكبرها بعشرات السنين و التي مرت بهوائل الحرب والتي رات الموت وعاشت الالام الحرمان و الخوف والذل اصبحت الاستاذه هند وفي بعض المرات يطلق عليها مهندسه الديكور هند. أخيراً: أتدرون أين تعرفت علي هند؟ في ندوه لسماسره بيع البيوت و قد كُرمت لعملها وجهودها وذوقها… مبروك يا احلي هنوده لك تحيه احترام و تقدير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock