ثقافيات

عابر سبيل – ص 4 – العدد 159.

عابر سبيل لهذا العدد هو الصحفي عبد الغني طليس والعبور بعنوان:
متى تنبّأ الشاعر عمر أبو ريشه بشباب لعصر ( زد )؟

كان الشاعر عُمر أبو ريشة مقيماً في بيروت، في أواخر السبعينيات، بداية عملي في الصحافة، فرأيتُ أن أُجري معه مقابلة صحفية. أبو ريشة قبلها كان سفيراً لسوريا في الولايات المتحدة الأميركية. سألتُه آخر المقابلة: ماذا هي الخلاصة التي خرجتَ بها عن أميركا وشعبها. فصمتَ أكثر من دقيقة وقال: سأقول لك أمراً لن أشهده أنا، وأنا في الثمانينات من عمري، وربما تشهدها أنتَ كونك لا تزال شاباً – وكنت في الثالثة والعشرين. أصَخُتُ السمع( ما أفظع هذه المفردة!) فقال: أعتقدُ أنه في زمن ليس ببعيد كثيراً، بعيد لكنْ ليس كثيراً ستكون نهاية اليهود في أميركا. فسارعتُ : شغلتَ بالي، وحمّستني..فأكملَ: لا بدّ من أن يستفيق الأميركيون يوماً على واقعهم المفجع، حين يكتشفون أن كل مقدرات بلدهم السياسية، والمالية والإعلامية في يد اليهود. في السياسة يفرضون أشخاصاً منقادين لهم بحكم الدعم الذي يتبعه اللوبي الصهيوني لهم. في المال يتحكمون بأغلبية المصارف والمؤسسات المالية إن لم يكن كلّها فيخططون وينفذون ما يحافظ على قوّتهم الكاسحة. وفي الإعلام يسيطرون إدارياً وإعلانياً وتوجيهاً على مؤسسات التلفزة والإذاعة والصحافة ويجذّرون سرديّتهم الكاذبة عن إسرائيل في المجتمع عبرها…وأضاف عمر أبو ريشة: الغريب أن أغلب الشعب الأميركي يدرك ذلك لكنه مستسلم، وأغلبه يخشى اليهود وأحابيلهم من قمعهم حيث يعملون. وأقَدِّر أن الأميركيين حالياً في حالة خدَر بسطوة اللوبي الصهيوني، غير أنهم منتبهون له. إنما السؤال إلى متى هذا الخدَر؟ جوابي أنه لا بد من حدوث أشياء ومواقف وظروف وربما فواجع فاليهود عباقرة ودُهاة فيها، ستدفع بالأميركيين إلى الصحوة على الذات الأميركية الخاصة، بعد تَراكُم الاعتراض وسيحصل عندها التمرّد.. لكن انتبه ليس مع هذا الجيل ولا الجيل التالي بل مع الجيل الثالث حيث تكون “الطبخة” التربوية والعلْمية والفكرية تغيّرت، والزمن تغيّر. وختم أبو ريشة: إذا أعطاك الله عُمراً، ووصلتَ إلى عمري الثمانيني ، فأغلب الظن أنك ستشهد ذلك. وانتهت المقابلة . اليوم، الأخبار العميقة من الولايات المتحدة تنبيء بشيء مما تنبأ الشاعر عمر أبو ريشة. أخبار لا يُصدّق للوهلة الأولى حصولُها في أميركا ومع أولاد عمنا بالتحديد. وكفاية هذان الحدَثان، حتى لا نغوص في قضية جيفري أبسين التي تملأ حياة الناس في أميركا أخيراً، وتصل “أبواب الجحيم” على ما يُحكَى من فصولها المتهم فيها ترامب شخصيّاً : الحدث الأول : ألفُ حاخام يهودي في نيويورك من كبارهم اجتمعوا قبل خمسة أيام من انتخاب زهران ممداني وأصدروا بيانا بوجوب عدم التصويت له كونه “عدوّ إسرائيل”. وكانت النتيجة تصويت ٣٣ بالمئة منهم ( نعَم من اليهود؟) لممداني، ما أوقعهم في خذلان كبير وغضب وحذر من الآتي !
الحدث الثاني : استطلاع رأي في خمس ولايات أظهر بشكل لا لَبس فيه أن أكثر من أربعين بالمئة من الأميركيين قرّروا عدم التصويت في الانتخابات النيابية المقبلة في الولايات المتحدة لأي شخص مدعوم من اللوبي الصهيوني. هكذا تماماً . ويقول خبير محترف بالرأي العام لتلفزيون أميركي عن أسباب الانزياح : شاهدَ الأميركيون، تحديداً الجيل الجديد، فصول العنف في غزّة، وكانت شبه عادية ومألوفة عنده بدايةً. غير أن إطالة أمد العنف وشدّتَه دعتهم كجماعات في الجامعات، إلى تقصّي حقيقة المشكلة الفلسطينية، فعادوا إلى المراجع. بعضهم اكتشف للمرة الأولى ان دولة إسرائيل قامت على أرض دولةٍ أخرى هي فلسطين، وكانوا يظنّون إسرائيل دولةً من المنطقة من القِدَم. هناك مشهدان تبين لي ( الخبير يتكلّم) أنهما كانا الأكثر فظاعة منذ أشهر: مشهد الأبرياء العزّل الزاحفين لطلب الطعام وقد واجههم الجنود الإسرائيليون بالنار والإذلال لأيام عدّة. ومشهد مدينة غزّة المدمّرة بيوتها وبناياتها وشوارعها بالكامل وعلى مساحات شاسعة في ڤيديو متحرك يميناً ويساراً يعرض الخراب العظيم. وأضيف هنا ( والكلام لا يزال للخبير) أن وسائل الإعلام الاميركي بقيت أشهراً لم تعرض فيها إلا النذر اليسير من المآسي التي كانت تحصل، لكن انفتاح المجتمع عبر التواصل الاجتماعي مع العالَم قرّب الصورة بصرياً وعقلياً لهذا الجيل الشاب المستعد لتلقي الحقائق أكثر بكثير من الجيل المخضرم، فحدثَت الصدمة بعد الصدمة.. وصولاً إلى اليوم . ويختم بأن في المجتمع الأميركي اليوم”حقيقة مزدوجة مرعبة لليهود” هي تآكل الهوية اليهودية عند عنصر الشباب اليهودي، وثانياً التحرر من العطف التاريخي المجتمعي الأميركي عليهم خصوصاً بعد تسيّب القتل العشوائي ردّاً على “طوفان الأقصى”( انتهى)
بمعنى أن دوافع النقد تورُّمت نتيجة ردّة الفعل الإبادية ضد الفلسطينيين على مدى سنتين في غزة، بعد عملية “طوفان الأقصى” ثم انفجر الاعتراض وصولاً إلى التظاهر وما تلا ذلك، سيما أن عملية “طوفان الاقصى” صوّرها الإعلام الاميركي أشبه بنهاية إسرائيل، وافتُضح بعد حين التضخيم الإعلامي الذي ملأ فضاء البث بالأكاذيب، ويقال إن الكتب التي بيعت في السنة الأخيرة عن فلسطين عالية جداً، ولكُتّاب عرب أو غير يهود وغير صهاينة المزاج. أي أن التغيّرات في المجتمع الأميركي سارت على مراحل، تطوّرت وتعاظمت وأخذت مكانها لدى الجيل الجديد الذي من المؤكد أنه فتح عينيه وغادر الخوف على نفسه من مضايقات اليهود المألوفة، ويقول كلمته الآن. جيل جديد، يقول باحثون أميركيون، قد يقلب مسلّماتٍ في عقول الشعب الاميركي، ويوردون براهين عن أن “ثورة” بدأت ولن تنتهي بالمساحيق والمراهم التقليدية لدى اللوبي الصهيوني، ولا يعرفون كباحثين إلى أين تتجه، ولا يتسع المجال لإظهار براهينهم في مقالة. رحمة الله على الشاعر عمر أبو ريشة. تنبأ قبل خمسين عاماً تقريباً، وتمنى لي أن أشهد. لا أريد أن أتوهّم أشياءَ، لذلك أتلقى معلوماتي من أصدقاء محترمين في أميركا. وغبطتي عارمة حتى كأنني أكتب بها لا بالحروف، لما أشهده من أمبراطورية العالَم التي صرفَت أعماراً في نهب ثرواتنا والتحكم بنا. فهل نحن على أبواب عصر جديد، يتردّد أميركياً أن اسمه عصر “زَدّ” .
***
اعلان شيرين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock