سل سبيل


لقاء العدد الشهري رقم 156 مع المبدعة الأستاذة زين غنما .

العدد رقم 156- ص8.

لقاء اليوم في العدد الشهري رقم 156 مع المبدعة بأكثر من مجال أدبي وفني الأستاذة زين غنما .
أجرى المقابلة : محمد هارون

المقدمة :
مؤخراً كنت بزيارة لعمان – الأردن والتقيت بالزميلة الأستاذة بفن الخطابة السيدة زين غنما، حيث
نلتقي بالعادة ولكن على صفحات التواصل الإجتماعي لمتابعة أنشطتنا الثقافية والفنية في كندا والبلاد
العربية، في هذا اللقاء المباشر وجدتها فرصة ثمينة لإجراء لقاء العدد الشهري معها للحديث عن
انشطتها المتنوعة في اكثر من مجال إبداعي . التقيتها في مكاتب مسرح البلد في عمان .
وبعد جولة في دهاليز المسرح و” نوستالجيا” الزمن الجميل كانت هذه المحصلة الثرية…. إلى الأسئلة:

*****
س1 : تأخرت وترددت كثيراً عند وضع صفة لمهنتك كي تسبق اسمك والتعرف عليك.. هل انتِ باحثة
أم مدربة لفن الخطابة أم مترجمة أم فنانة مسرحية أم كل ذلك؟
ج1:
حالياً أعمل مدربة فن الخطابة والحضور القيادي. في بداية حياتي المهنية قمت بتدريس الفنون المسرحية في جامعة اليرموك لمدة ٧ سنوات قبل اتخاذ قراري لامتهان تدريب المهنيين في فن الخطابة والتواصل.

س2 : إذن أنت الآن مدربة فن الخطابة والحضور القيادي .. لذلك نرغب أن نعرف تفاصيل أكثر عن حياتك في البدايات والإنجازات العلمية والفنية السابقة.

ج2:
بدأت دراسة الكيمياء في الجامعة لحصولي على بعثة من وزارة التربية. لكن في السنة الثانية تأكد لي ان
هذا الموضوع لا يناسبني ابداً. فقمت بتحويل تخصصي لدراسة الأدب الإنجليزي. تحويل تخصصي كنا
بداية التحول في حياتي. في الاسبوع الاول من الدراسة طلب مني استاذ الأدب الانجليزي إيان كاروذرز أن
أشارك في مسرحية سيقوم باخراجها كنشاط لامنهجي. لم اتردد. وهنا بدأت اكتشف نفسي وصوتي
وأطور تعبيري. استهواني المسرح كثيراً فقررت إتمام دراساتي العليا فيه، وخصوصاً أن الجامعة أعلنت
عن نيتها إنشاء كلية فنون جميلة، وابتعاث طلبة لمن يرغب في اتمام دراسات عليا والرجوع للتدريس في
الجامعة. حصلت على البعثة وعلى قبول من الجامعة الكاثوليكية الاميركية في واشنطن العاصمة وذهبت

للحصول على درجة الماجستير (المهني/ الأكاديمي) وهو أعلى مؤهل في الفنون العملية في الإخراج
المسرح في اميركا والذي يؤهل للعمل في المسرح والتدريس في الجامعات.
بعد التخرج عدت للتدريس في الجامعة، وإخراج مسرحيات لطلبة تخصص المسرح.
حينها تعرفت على فرقة مسرح الفوانيس المحترفة، وبدأت بالمشاركة في المسرحيات كممثلة.
بعد سبع سنوات من التدريس في الجامعة، قررت الاستقالة لبدء رحلة جديدة في تدريب المتحدثين على
فنون الخطابة والتواصل مع وسائل الإعلام، والتي ما زالت مهنتي للآن.
كل ما أقدمه للمتدرب اختبرته شخصياً. لذلك يمكنني فهم مخاوف المتدرب، المشاكل التي يواجهها، كما
يمكنني تصميم خطته في التحول عبر زيادة الوعي الذاتي، اكتساب المهارات واستكشاف ملكاته ليتمكن من
التطور والوصول للثقة والحرفية في التواصل مع المتلقي، إن كان شخص أو ألف، أو عبر وسائل الإعلام.
لم أخطط يوماً بوعي لحياتي المهنية. كل ما خضته من تجارب كان يأتي صدفة، لكن ما أعلمه أنني كنت في
داخل نفسي اتبع حدسي وعندما تواجهني الفرص، انتهزها واستفيد منها.
وأهم ما حصل في حياتي وشكّلني، هو انخراطي في المسرح.

سؤال3 : (كلما زادت خبرتي… زاد توتري!.) هذه عبارة اخذتها من كتاباتك ..هل يمكنك تفسير مقصدك
منها ؟
ج3:
في أول صعود لي على خشبة المسرح من خلال مشاركتي بنشاط لامنهجي أثناء دراستي للأدب الإنجليزي
في جامعة اليرموك، كنت متحمسة. حضّرت، تدربت، شعرت بالجاهزية… وكل شيء كان تمام.
لم أشعر بأي توتر أبداً. لا أدري من أين جاءت الثقة!
لكن في المرة الثانية، بدأ التوتر يتسلل. ومع كل عرض جديد، كان التوتر يزيد. فماذا حدث؟ هل فقدت
ثقتي؟ أم أنني كنت أعيش نعمة جهل المبتدئ؟
حقيقي الجهل نعمة.
فالحقيقة أنني صرت أكثر وعياً. أصبحت أفهم وأدرك حدود إمكانياتي، وأسعى لتجاوزها.
أصبحت أقدّر حجم المسؤولية وأشعر بواجب إتقان الأداء.
ومع الوقت، كلما تعمقت أكثر في المسرح، اكتشفت مهارات جديدة ساعدتني على صقل أدواتي، والتخفيف
من التوتر، مع الحفاظ على الحرارة والحماس اللازمين للوصول للجمهور.
وهذا الموضوع لا ينطبق فقط على التمثيل أو الفنون، ولكن في كل مجالات الحياة. فهناك الكثير الذي يمكن
تعلمه وصهود السلم يحتاج للمثابرة واكساب المهارات باستمرار لأدآء أفضل. ومن يريد أن يتميز تراه دائم
البحث والتعلم ولا يكتفي بالمكانة التي وصل اليها.

س4: قبل أكثر من أربعين عاما، عملنا معا بفرقة الفوانيس المسرحية الأردنية.. ماذا تقولين عن تجربة
فرقة الفوانيس، وأين هي الآن؟
ج4: كانت فرقة مسرح الفوانيس فرقة رائدة مبدعة متكاملة بتنوع المبدعين الذين عملوا فيها. من كتابة
لموسيقى لإخراج وتصميم وتمثيل. المواضيع التي طرحتها تلامس الناس ولاقت تفاعلاً غير مسبوق من
الجمهور، ولاحقاً صار أسلوب مسرح الفوانيس ملهماً للمسرحيين الشباب. نبع هذا الاسلوب من صميم
المجتمع الذي ولدت فيه، مع انها استقت الكثير من الفنون العالمية بدون أن تنسلخ عن جهورها المحلي
العربي.
تميزت بالتجريب والانفتاح بتوظيف الاستعراض البصري والموسيقى والتمثيل الذي يتناغم مع الفكرة ليعبر
عن حياة الشخوص ومعاناتهم وآمالهم.
وبوجهة نظري كنا ثوريين في عدة نواحي لتطرقنا لأمور كانت تعتبر محظورة، بدون تطرف، وهذا ما
جعل مسرحياتنا محط انظار الرقابة. ومن أهم الأمور التي تمكنت فرقة مسرح الفوانيس من إنجازها هو
انهاء عهد مقص الرقيب وإيقاف المسرحيات بعد أول عرض مما فتح الأبواب أمام جيل جديد ينعم بحرية
أكثر في التعبير.
فرقة مسرح الفوانيس فقدت أعمدتها الثلاث من كاتب ومخرج وموسيقي، ستبقى ذكراهم للأبد لتأثيرهم في
أجيال من المسرحيين. ولا ننسى أن مسرح البلد انبثق من مسرح الفوانيس وهو الأنشط وتمتد رسالته
لخارج حدود الأردن.

س5: هل تَعَلُم ودراسة فن الخطابة والإلقاء وتنمية هذه المهارة، يقتصر على الممثل والمغني فقط؟ ومن
هي أبرز الشخصيات أو المجموعات التي دربتها؟ ( اذا كان ذلك ممكناْ)
ج5: في صيف ١٩٨٠ ذهبت الى لندن لدراسة التمثيل في أكاديمية ويبر دوغلاس للفنون المسرحية.
وفي أول حصة في موضوع “الصوت والتعبير للممثل" مع المدربة العالمية باتسي رودنبرغ، فكرت كم هذه
التقنيات التي نتعلمها مهمة للجميع. فنحن نتحدث ونتواصل طول النهار. والنجاح في التواصل يتطلب
وضوحاً في النطق، حضوراً ذهنياً وجسدياً وصوتياً وانفعالياً. وكم نحن بحاجة لتعلّم التعبير وتنمية
الحضور. لذلك اعتقد بأن كل الناس يحتاجون لتنمية هذه المهارة، وليس الممثل والمغني فقط. وهذا ما دفعني
لاحقاً لتطوير منهجي في صقل هذه المهارات لدى المتحدثين بكل المجالات.
وأول شخص دربته كان القائم بأعمال السفارة البريطانية في عمان، والذي رجع بعد عدة سنوات ليعمل
كسفير لبلاده في الاردن. صار هذا الشخص أحسن دعاية لي في تلك الاوساط، فدائماً كان يذكر انني
“معلمته”.

على مدى ٣٠ عاماً قمت بتدريب العديد من المدراء التنفيذين في شركات عالمية، وافراد من القيادات السياسية والإقتصادية في البلاد العربية ومنهم رؤساء وزارات وغيرهم من السياسيين
والدبلوماسيين، رجال وسيدات الاعمال، المحامين والقضاة، والمهنيين في مجالات متعددة.
وبالطبع، دائماً استند في منهجي التدريبي على المهارات التي اكتسبتها من دراستي للأدب
والتربية والمسرح.
س6: حدثينا عن تجربتك مع مسرح البلد في عمان بقيادة الفنان رائد عصفور تلميذك سابقا!!
ج6: إنشاء مسرح البلد مثير للاهتمام. خلال تواجدي في مسرح الفوانيس وإقامتنا لمهرجان أيام عمان
المسرحية”، كان هناك نشاط يجري على الورق. هذا النشاط كان يقام مع مسرحيين ومهندسين معماريين
للبحث عن مواقع مهجورة لتحويلها لمسرح. تم أول مشروع في القاهرة، وتم تحويل هنجر قديم لمسرح على الورق. في العام التالي اختيرت عمّان لتكون المدينة التي يقام فيها المشروع، وتم اختيار دار سينما فرساي، القديم المهجور، وكذلك تم تحويله لمسرح على الورق. في ذلك الوقت كان رائد عصفور (تلميذي في جامعة اليرموك) عضو مسرح الفوانيس والمسؤول عن المهرجان، هو الذي تابع عن قرب مشروع المسرح عالورق. في يوم بدأ يستشيرنا في مسرح الفوانيس في فكرة نقل المشروع من الورق لأرض الواقع.
طبعاً لم نتردد وبدأ العمل. كان عملاً مضنياً طويلاً تحمله رائد بشكل أساسي حتى رأى النور وأنشئ مسرح
البلد وترأس إدارته رائد عصفور. كان وما يزال رائد الدينامو المحرك المليء بالأفكار والنشاط. ودائماً
أقول: “صحيح علّمت رائد لمدة ٤ سنوات في الجامعة، لكنه يعلمني كل يوم.”
ومسرح البلد هو أكثر من مقر فيه خشبة مسرح، بل هو فضاء ثقافي يتجاوز حدود المكان ويحتضن كل
مبدع له رسالة أصيلة في أي من الفنون، يمتد تأثيره من شمال لشرق وغرب إلى جنوب الأردن وأبعد.
ومع أنني لست نشطة في عالم المسرح حالياً، لكن علاقتي بالمسرح تغيرت وتطورت مع تأسيس
"مسرح البلد" ووجودي فيه كعضو مجلس إدارة.

س7: نحن في تورونتو – كندا نود لو تعطينا فكرة موجزة ما هو جديد المسرح الأردني حاليا.
ج 7: المسرح يعاني بشكل عام كما في العديد من بلدان العالم لقلة الدعم الرسمي والمؤسسي المستمر.
لكن نرى بقع ضؤ منيرة هنا وهناك بفضل الشباب الشغوف. فوجود مسرح البلد ومسرح الشمس كمشاريع
داعمة مهم جداً في احتضان الناشئين وتوجيههم للارتقاء بهذا الفن، والمساعدة في ترسيخ ثقافة ارتياد
المسارح. وهناك المؤسسات التي تعنى بالمسرح التعليمي والذي يطرح قضايا مجتمعية جدلية متنوعة في
إطار مسرحي لنقاش الموضوع ونشر الوعي، والذي بالتالي سيزيد من قبول الفن المسرحي في المجتمعات
النائية التي لا تتمكن من الوصول لهذا الفن في المدن، وبالتالي تغيير نظرتهم وقبول الفنون بشكل عام عندما
يكتشفون أهميتها في التنوير بالإضافة للترفيه. كما نشهد تأسيس مدارس جديدة لتدريب الممثل والتي من
شأنها الارتقاء بحرفية الممثل والمهنة بشكل عام.

س8: هل لأشكال الفنون المتنوعة وخاصة المسرح دور ما في توضيح وفضح الإجرام والإبادة الجماعية
ضد أهلنا في غزة .
ج8: كل أنواع التعبير الأدبي والفني مهمة في إلقاء الضؤ على القضايا الإنسانية. الانسان تجذبه القصص
وتؤثر به بشكل عام لانها تتحدث عنه، أو تذكره بنفسه وبما يتعرض له، ومن خلالها يمكن تنوير وتثقيف
وتغيير نظرته، بالإضافة لتحفيزه وإلهامه. فما بالك عند طرح قضايا مهمة كالإجرام الذي نراه في كل
الأراضي المحتلة في فلسطين والذي يجب أن يتم طررحه على الملأ كي لا ينسى وكي يُفضح المتعدي الذي
يدعي الديموقراطية والتقدم وهو المغتصب المجرم. المهم هو الانتشار بهذه الأعمال ليخرج للعالم أجمع.
وهنا يأتي دور الدعم من الأفراد والمؤسسات القادرة على تمويل هذه المشاريع المهمة للوصول للرأي العام
في كل مكان.

س9: حبذا لو تكرمتِ التوجه برسالة موجزة من مثقفة وفنانة أردنية لقراء ساخر سبيل في ديار
الإغتراب في كندا والعالم .
ج9: رسالتي هي البقاء منفتحين على كل الثقافات لفهمها وفهم الطريقة الأفضل للتواصل معها. انتم سفراؤنا أينما كنتم فلا تنسوا نشر الوعي بالقضايا العادلة في بلدكم الأصلي على أمل إحداث التغيير. كل التقدير والإحترام لأسرة ساخر سبيل باشراف الزميل المخضرم محمد هارون .

الخاتمة : باسم القراء الكرام والعاملين معي أشكرك على حُسن الإستقبال وكرم الضيافة وعلى منحنا الوقت المناسب كي نجري المقابلة في يوم مزدحم من التمارين والمحاضرات . نتمنى أن يعطي هذا اللقاء الفائدة للشباب الجدد كي يطوروا ما كنتم وما زلتم تقدمونه لإثراء المعرفة والخبرة في أكثر من مجال إبداعي.
****

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock