عابر سبيل لهذا العدد هي السيدة الكاتبة والناشطة الإجتماعية رانيا سعد من ميسيساغا اونتاريو .
بعنوان: “لام شمسية": دراما تكشف المستور حول التحرش بالأطفال ومسؤولية الجالية العربية في كندا”

عابر سبيل لهذا العدد هي السيدة الكاتبة والناشطة الإجتماعية رانيا سعد من ميسيساغا اونتاريو .
والعبور بعنوان :
“لام شمسية: دراما تكشف المستور حول التحرش بالأطفال ومسؤولية الجالية العربية في كندا”
****
العيش في بلد متقدم يمنح الكثير من العائلات إحساسًا بالأمان، خاصة مع وجود قوانين صارمة تحمي الأطفال من الاستغلال والإيذاء. لكن هذا لا يعني أنهم في مأمن تام، فالمتحرشون لا يردعهم القانون وحده، بل يستغلون الثقة، والبيئة القريبة، وأحيانًا صمت الضحايا أو ذويهم للاستمرار في جرائمهم. وهنا تأتي أهمية دراما “لام شمسية”، التي تسلط الضوء على هذه القضية الحساسة، خاصة عندما يكون المعتدي من داخل الدائرة العائلية، المدرسة، أو أي بيئة يُفترض أنها آمنة.
التحرش ليس مشكلة بعيدة عنا
قد يظن البعض أن هذه الجرائم تحدث “هناك” في مجتمعات أخرى، لكن الحقيقة أنها موجودة في كل مكان. القوانين قد تكون رادعة، لكن كشف هذه الجرائم والإبلاغ عنها لا يزال تحديًا، خصوصًا في مجتمعاتنا العربية، حيث قد يشعر البعض بالخجل أو الخوف من الفضيحة، مما يدفعهم للصمت والتستر على المعتدي.
لكن الصمت لا يحمي أحدًا، بل يجعل المتحرش أكثر جرأة، ويزيد من فرص وقوع المزيد من الضحايا. من الضروري أن ندرك أن حماية الأطفال مسؤوليتنا جميعًا، وليس فقط مسؤولية القانون.
التستر على المتحرش جريمة لا تُغتفر
في بعض الحالات، لا يكون الخطر فقط في فعل التحرش نفسه، بل في التغطية عليه. البعض قد يختار حماية المتحرش بحجة الحفاظ على “سمعة العائلة” أو “عدم تدمير مستقبل المعتدي”، خاصة إن كان قريبًا أو معروفًا في المجتمع. لكن هؤلاء ينسون أن التستر هو مشاركة في الجريمة، وأنه يوفّر للمتحرش بيئة آمنة لمواصلة أفعاله الدنيئة. ومن الممكن محاسبة أي شخص يتستر أو يمنع الضحية من الإبلاغ، لذا علينا كسر ثقافة الصمت، والوقوف مع الضحايا بدلاً من الدفاع عن الجناة.
كيف نحمي أطفالنا؟
لمواجهة هذه الظاهرة، لا بد من العمل على عدة محاور، سواء داخل العائلات أو في المدارس والمؤسسات المجتمعية. إليك بعض الخطوات العملية:
1. التوعية منذ الصغر: تعليم الأطفال مبكرًا مفاهيم مثل “جسدي ملكي”، والفرق بين اللمسات الآمنة وغير الآمنة، وكيفية طلب المساعدة.
2. فتح قنوات تواصل آمنة: على الطفل أن يشعر بأنه قادر على الحديث بحرية عن أي شيء يزعجه دون خوف.
3. اكتشاف العلامات: يجب على الأهل والمعلمين الانتباه لأي تغيّرات مفاجئة في السلوك أو مظاهر الخوف أو العزلة.
4. الإبلاغ دون تردد: هناك جهات رسمية توفر بيئة آمنة للإبلاغ، مع ضمان سرية المعلومات وحماية المبلّغين.
5. التأكد من بيئات الأطفال: لا يكفي الاعتماد على السمعة الجيدة للمكان أو الشخص، بل يجب المتابعة والتأكد المستمر
6. دور الإعلام والمجتمع: كما تفعل دراما “لام شمسية”، يمكن للفن والإعلام أن يكونا أدوات قوية للتوعية وكسر حاجز الصمت.
ماذا عن المناهج الدراسية؟ وهل تؤدي دورًا إيجابيًا أم سلبيًا؟
هنا لا بد من الإشارة إلى جدل واسع يدور بين أولياء الأمور العرب في كندا، حول مضامين المناهج التعليمية الخاصة بالتثقيف الجنسي، والتي تبدأ في طرح موضوعات حساسة كـ”الميول الجنسية” و”الهوية الجندرية” في صفوف مبكرة. على سبيل المثال، يتم الحديث عن التوجه الجنسي في الصف الخامس، والهوية الجنسية في الصف الثامن، إلى جانب تعليم الأطفال في مراحل مبكرة جدًا (مثل الصف الأول والثاني) تسمية الأعضاء التناسلية، وفهم مفهوم “الموافقة”.
ورغم أن الهدف المعلن من هذه المناهج هو حماية الطفل وتعليمه حدود جسده، وتمكينه من التعبير عن نفسه، يرى كثير من الآباء أنها قد تؤدي إلى تشويش مبكر على الطفل، وتطبيعه مع مفاهيم لا تتناسب مع وعيه ولا خلفيته الثقافية أو الدينية. الأخطر، بحسب عدد من النقاد، أن تشجيع الطفل على “اكتشاف ميوله” في سن صغيرة، قد يفتح أبوابًا للاستغلال، خصوصًا إن تم ذلك دون رقابة كافية أو إشراك فعّال من الأهل. فبدل أن تكون المدرسة ملاذًا آمنًا، قد يجد الطفل نفسه يتلقى معلومات مبالغًا فيها أو لا يفهمها، أو يُستدرج عبر الحوار الشخصي من قبل أشخاص غير مؤهلين أو لديهم أجندات منحرفة.
الخلاصة: التربية الجنسية ضرورة… لكن بشروط نحن لا نرفض التوعية الجنسية التي تحمي الطفل وتحصّنه، لكننا نرفض أن تكون وسيلة لفرض مفاهيم غير مناسبة أو فتح الباب لمن تسوّل له نفسه استغلالها. الفرص التي توفرها الحياة هنا لا تعني أن أطفالنا في أمان تلقائي. علينا كأفراد في الجالية أن نكون أكثر وعيًا بمخاطر التحرش، وأن نكسر ثقافة الصمت والتستر. الأمان الحقيقي لا يأتي من القوانين فقط، بل من وعي المجتمع ودعمه للضحايا. فكلنا مسؤولون عن خلق بيئة آمنة لأطفالنا، لأن الحماية تبدأ منّا. حفظكم الله وحفظ أبناءكم، وألهمكم دائمًا حسن الاختيار. فالحماية تبدأ منّا، بالصوت، بالوعي، وبالوقوف مع الحق.