العابر بهذا العدد السيدة شيرين بسيسو . ميسيساغا اونتاريو.
والعبور بعنوان: العروسه و أمها.
.. جلست في المقهي بالانتظار و بدأ الملل يتسلل الي. كل من يعرفني يدرك انني مضبوطه في مواعيدي تماما و أنني أكره الانتظار، ها قد مرت خمسه عشر دقيقه علي موعدي مع هدير و الي الان لم تظهر و للاسف التليفون مغلق..صديقتي العزيزه هددير ليست من مجموعتي التي تلتزم بالواعيد و لكن عندما ياتي الامر لي في تحاول جاهده ان تكون في الموعد خاصه اذا ما كان اللقاء بيننا فقط.أخيرا ظهرت في الدقيقه الثامنه عشر. رأيتها بقوامها الصغير و فستانها الذي يحمل الكثير من الألوان الزاهيه تندفع داخل باب المقهي باحثه بعينيها علي. بمجرد ما تلاقت أعيوننا تحولت نظرت القلق الي مزيج من النظرات التي تحمل ابتسامه اللقاء، ونظره الاعتذار عن التأخير ثم مشاعر الفرحه للحدث القادم. وصلت طاولتي و بعد عناق طويل كانت تكرر فيه هدير كلمات الاعتذار و تؤكد لي انني سألتمس لها العذربمجرد ما اعرف لما تأخرت، شددت ذراعي حولها و اجبت لا داعي للاعتذار.. ابتعدت وجلسنا. فتحت حقيبتها واخرجت بطاقه دعوه لفرح مها إبنتها. أردفت قائله هذا ما أخرني. فبعد أن خرجت من المنزل و سقت حوالي خمس دقائق تذكرت أنني نسيت الدعوه. كنت أعلم أن لقاءنا كان بسبب هذه الدعوه. فهدير رفضت الطريقه الحديثه في ارسال الدعوات عن طريق و سائل التواصل الاجتماعي. بالنسبه لها هذه الطريقه لا حياه فيها. ارادت أن يشاركها محبيها و اصدقاؤها شعور الفرح و هي تسلمهم بطاقه الدعوه و تسمع منهم كلمات التهنئه و تري على و جوههم إبتسامه الفرح لها و لإبنتها، فهي ام العروسه. و الحقيقه مها لم تهتم بالموضوع كثيرا ووكلت أمر الدعوات الي أمها هدير. اما مها فقامت بدعوه كل أقرانها علي السوشال ميديا و قامت هدير بتسليم الدعوات لمن دعتهم هي. الدعوه كانت قمه في الاناقه لون البطاقه من الخارج أبيض أبانوسي لامع مع ظلال من الوردي الفاتح و الكلام علي ظهر الكرت مكتوب بالذهبي الانيق جدا. البطاقه كانت تنطق بشخصيه هدير أكثر من مها .هدير كانت رمز للانوثه و مها رمز للجيل العملي الحديث ، بنطلون جينز و بلوزه بسيطه. و قبل ان أفتح البطاقه قالت هدير هيا لنطلب القهوه.مع أول رشفه من فنجان القهوه سألتها ما أخبار العروسه وأمها. إبتسمت قائله العروسه فوق الريح و سعيده جدا أما ام العروسه فلديها مفاجأه. لفت نظري طريقه الكلام و أدركت أن لقاءنا أكبر من مجرد فنجان من القهوه و دعوه فرح. تركت لها الكلام و أخبرته أنني كلي أذان صائغه.
هدير:بدأت هدير قائله، أنت لا تعرفي عني سوي اني مطلقه و اعيش مع أولادي. أومأت رأسي قائله هذا صحيح، فعلاقتنا بدأت بعد ان تم طلاقها بفتره، تعرفنا عن طريق أصدقاء مشتركين في حفله، و من لحظتها كان هناك إنسجام بيننا. أكملت قائله، تعرفت علي زوجي السابق عن طريق المعارف . الزواج كان زواج صالونات ، لم أكن من الشخصيات الرومانسيه و التي كانت تصر علي الحب قبل الزواج و ما عزز هذه القناعه ان والدي كانا و ما زالا متزوجان من اكثر من خمسين عاما و كان زواجهم صالونات، اما اصدقاء الجامعه الذين تزوجوا عن حب فقد حدث الطلاق بينهم سريعا بعد انتهاء شهر العسل و منهم من استمر لعده سنين لوجود اولاد و لكن انتهي ايضا بالطلاق عندما ادركوا ان وجودهم في حياه اولادهم دون مشاكل و معامله بعضهم البعض كأصدقاء افضل بكثير من وجودهم تحت سقف واحد في وجود خناقات مستمره و حرب ضروس. عندما تقدم زوجي السابق كان مناسبا جدا لي في كثير من النواحي و تم الزواج بعد فتره خطوبه دامت سنه واحده فقط إختبر منا كل من الاخر في الامور الاساسيه و تأكدنا أننا مناسبان لبعضنا البعض. و بعد الزواج بفتره قصيره رزقنا بمها ثم سيف. بعد وجود الاولاد قررننا وضع دستور لحياتنا و قررنا انه مهما كانت خلافاتنا فيجب أن نحتفظ بها داخل أطارنا نحن الكبار و أن الاولاد لاذنب لهم، و تعاهدنا على اننا، أبدا، لن نزج بهم في مشاكلنا و لا ان نضعهم بموضع الاختيار بيننا.إتفقنا علي الود و الاحترام حتي في خناقاتنا. هو من اخبرني انه يحتاج في تلك اللحظات الصعبه الي الانسحاب من المناقشه الي ان يهدأ و طلب مني اني اتفهم ذلك، و انا من اخبرته انني التزم الصمت بالعاده اثناء الشجار حتي لا اقول ما اندم عليه و انه يجب عليه ان لا يحاول استفزازي لقول شئ قد اندم عليه لاحقا. احترمنا ذلك اثناء اختلافاتنا فلم احاول ان ابقيه امامي خلال مشاده و لم يحاول ان يدفعني الي قول شئ في لحظه فقدان السيطره علي الوضع.إتفقنا أيضا علي ان الاولاد و بطبيعه الحال يتجهون الي والدتهم و انني مهما حدث لن استغل هذه العاطفه لتوجيهها ضد والدهم. كنا نعلم ان سيف رجل و احساسه بفقد والده ،ان حدث، لن يؤثر عليه كما ممكن ان يحدث مع مها فبالنسبه لمها فإنها دائما ستحتاج الي والدها. و انها عندما تتزوج لا تريد ان يكون عدم وجوده ضلع مكسور فيها قد يستغله زوجها المستقبلي، تعاهدنا علي انه سيكون والدها دوما السند و الظهر و متواجد في حياتها و حياه اخوها بشكل كامل و في كل المراحل. رغم ان هذا الحديث الذي دار بيني و بين زوجي السابق حدث بعد ولاده سيف باشهر قليله، تقريبا من 21 سنه، إلا انه كان دستور في حياتنا مشينا عليه ، كل من علم بحوارنا هذا في ذلك الوقت إتهمنا باننا نقدر البلاء قبل قوعه و دعوا لنا بالخير و ان الله لا يعرضنا لمصيبه الطلاق ابد ، ففي ذلك الزمان كان الطلاق من أكبر المصائب .ابو اولادي كان رجل مسؤوليه و كان دوما يحب ان يخطط للمستقبل لتجنب اي مفاجات غير مدروسه.حتي بالنسبه الي ذمته الماليه فقد كان مؤمن لنا حياه كريمه في حاله حدوث اي شئ لا سمح الله. عشنا حياه سعيده و مستقره و مع الحياه و اهتمام زوجي بأدق تفاصيل حياتنا بدأ الحب يغزو قلبينا و تحول زواج الصالونات الي زواج مفعم بالحب و التفاهم و حتي عندما هاجرنا الي كندا استمرت طريقه حياتنا علي مسيرتها لا يعكرها شئ. لا يعني اننا لم يكن بيننا مشاكل علي العكس كأي عائله كانت هناك مرتفعات و منخفضات الا اننا استطعنا ان نعديها و نتجاوزها بذلك الدستور الذي بدإنا به حياتنا. و لكن لان دوام الحال من المحال فقد اهتز عرش المنزل خلال فتره الكورونا. جلسنا جميعا بالمنزل امام شاشات الكمبيوتر سواء للعمل او الترفيه. أشهر مرت و بدأت الاحظ ان زوجي امام شاشه الكمبيوتر تقريا اليوم كله و انني عندما ادخل عليه يحول الصفحه او يغلق اللاب توب. بدأ الشك يتسرب الي نفسي لكني اثرت السكوت و غضضت البصر. الوضع في العالم كله كان لا يحتمل، وإفترضت انه ربما كان يمر بنزوه ما و ان ما يفعل علي شاشه الكمبيوتر هي طريقته لكي يتعايش مع الوضع و خاصه انني اعلم انه لا يطيق الجلوس مطولا في المنزل فهو دائم الحركه. في تلك الفتره الصعبه من الحجز المفروض علي العالم سمعت عن حالات طلاق لعائلات مضي علي زواجهم ردح من الزمان. احسست انه مهما حدث فسلامه المنزل و الاولاد اهم و ان النزوه، ان كانت هناك نزوه من الاصل، ستنتهي بمجرد عوده الحياه لطبيعتها. كنت ادرك اننا في وضع غير طبيعي و بالتالي لا يمكن تطبيق ردود فعل طبيعيه في امورغير طبيعيه. سكت و انتظرت و انتهت فتره الكورونا و عدنا الي حياتنا السابقه و بدأ الكون في الانتظام الا ان زوجي لم ينتظم و لم نعد كما كنا، هناك شئ ما فقد و لم استطيع ان اضع يدي عليه بوضوح،و في بدايه 2022 وجدته راجعا الي المنزل مهموم علي غير العاده، ليخبرني و بعد الحاح مني عن سبب حزنه في ذلك اليوم انه تزوج بفتاه تعرف عليها من خلال النت خلال الحجر و انه استمر في علاقته بها ، اخبرني انه اخطا عندما سمح لمشاعره ان تجرفه الي شط غير امن خلال الضغط الذي تعرضنا له خلال الكورونا ، قال انه كان يكاد ينفجر من الحجزفي المنزل و انه وجد راحته في التوجه الي العالم الافتراضي و خاصه انه كان يمر بمرحله منتصف العمر..و..و.. بعدها لم اسمع شئ و لاول مره منذ زواجنا لم نلتزم بالاتفاق . لم اتركه يرحل ليهدأ و لم يحترم صمتي حتي لا أقول ما أندم عليه و حدث الانفصال. مرت سنه كامله علي الانفصال و بدانا نتاقلم علي عدم وجوده في المنزل، و انه كان ياتي لزيارات معلوم وقتها الا اننا التزمنا بالاحترام المتبادل ووجوده الدائم في حياه الاولاد. لم يدع لي او للاولاد المجال لاحتياج اي شئ بل كان حاضرا دوما حتي عندما خطبت مها كان كما تعاهدنا السند و الظهرلها . التزمت انا بالمقابل بعهدي و لم احاول ان اشوه صورته، كنت مجروحه كأي إمرأه تركها زوجها من أجل أخري،إلتزمت الصمت و قلت لمها و سيف أن والدهم افضل رجل في الدنيا الا انه في النهايه إنسان و أن الانسان ضعيف و أحيانا ممكن ان يقع في الخطأ و اننا اثرنا الاحترام علي النزاع. لم يحدث حتي مره واحده ان تعرض طليقي للحظه من عدم إحترام من الاولاد . كنت حريصه علي صفاء صورته أمامهم من أجلهم هم، كانت التوتر بيننا قد بدأ يهدأ و شعرننا اننا صديقين يجمعهم اسمي شئ في الوجود و هو مصلحه الاولاد. المرأه الاخري لم تدم في حياته اكثر من اشهر و انتهي شهر العسل المزعوم و انفصلوا فقط بعد سته اشهر. حاول العوده الي مباشره، الا انني رفضت فقد كنت بعد الانفصال قد وجهت اهتماماتي الي نفسي و بدات استثمر فيها ، كما انه هو توجه الي معالج نفسي ليساعده علي فهم ما حدث و تخطي المشكله. كل منا بدأ بالاشتغال علي نفسه. كان من الجنون الي العوده في ذلك الوقت والنفوس محمله بالالام. بدأنا نلتقي في البدايه لنتباحث في امور الاولاد و امور خطوبه مها و زواجها و رويدا رويدا بدأ اللقاء بيننا يكون لنا وحدنا نناقش فيه احداث حياتنا و مشاكلنا الخاصه، تحول طليقي الي صديقي، و تدريجيا بدانا نشعر ببعض كرجل و إمراه و حقيقه بدأت أحب طليقي و بدأ يحبني بشكل أخر. لم يكن هو من تزوجت و لم اكن انا من تزوج، الحياه، صعوباتها والطلاق الذي حدث و الذي كنت اعتقد انه اسوأ شيء قد حدث لي والذي إكتشفنا بعدها انه افضل ما حدث لنا غيرنا كثيرا. فبعد الطلاق اكتشفنا من نكون و كيف نريد أن نعيش حياتنا بعد ان كبر الاولاد. كان ما حدث لنا نحن الاثنين هو افضل ما يمكن ان يحدث و مؤخرا طلب يدي من اهلي و اولادي ووافقت. فغرت فاهي لانني لم اكن اتوقع الجمله الاخيره . نظرت اليها و سالت ماذا قلتي، ابتسمت و لم تجب فقط قالت انظري الي دعوه الفرح، انتي نظرتي اليها و لم تفتحيها بعد ، فعلا كنت قد نظرت لها و لم افتحها ،فقط لفت نظري تصميم الدعوه من الخارج لانني اعلم ما يكتب بها في العاده و قد لفت نظري فعلا التصميم الذي احسست انه يصرخ هدير و ليس مها. فتحت الكرت لاجد اسم العروس هدير اما العريس فهو مازن (طليقها) ، نظرت لها باعجاب و حب و باركت لها. اخبرتني ان زفاف مها و زفافها سيكون في نفس اليوم سترتدي فستان ابيض لكن ليس فستان عرس، ستشارك ابنتها فرحتها و ستترك الانظار تتجه الي مها لكنها في هذا اليوم ستعود الي المنزل بصحبه عريسها مازن.. قصه و لا في الخيال لكن الحياه مفعمه بالمفاجاءات.غادرنا المقهي ، باركت لها مره اخري و تمنيت لها كل الخير مع وعد اكيد بحضور الفرح. اليوم هو منتصف شهر مارس 2024، يوم عرس هدير و مها، القاعه جميله و مزينه بالورود و الكريستال، اسم مها و عريسها مكتوب باضاءه النيون الابيض علي حائط وعلي الحائط المقابل له اسم هدير و مازن بالنيون الوردي الفاتح . الديكور يخطف الانفاس و جميع الحضور كان من أقرب المقربين للعرسان ، لم يكن فرحا اعتياديا و لكن كان مظاهره حب . بعد دخول “جميع” العرسان لم تتوقف الموسيقي او الرقص. هدير و مازن كانا متوازيين مع طاقه مها و عريسها ، من يراهم في تلك الليله لا يستطيع ان يغفل عن كم الحب في اعينهم جميعا اما سيف فسعادته كانت لا توصف بكلمات بين فرحته باخته ووالديه. الحكايه الكبري كانت مها و اباها، سندها و ظهرها الذي وضع نصب عينيه مصلحه اولاده قبل اي شئ. مالت عليه و كان نعم السند.كان جليا في الفرح انها تعلم انها قويه و محميه بوجوده. حبه لها كان يقرأ حتي من رقصه معها و احتضانها. ليله من اجمل الليالي تجلي فيها الاصل و الحب الحقيقي ، هنا نقول، المشاعر تتغير ، تتبدل، ممكن ان نتوقف عن حب من كنا نحب، ممكن ان نحب اخرون لكن الالتزام بالمبادئ لانقاش فيه و الاولاد طالما وجودوا في هذه الدنيا هم امانه اعطانا اياهم رب كريم يجب علينا صيانتها و الحفاظ عليها. مها رجعت من شهر العسل و باشرت حياتها مع زوجها، اما هدير و مازن فما زالا في شهر العسل و ما زالا يرسلان صور رحلتهم لنا لنتمني لهم دوام الفرح و الهناء… تمت.
