عربيات

بشير سبيل .. صفحة جديدة بساخر سبيل

يكتبها في الجريدة وموقعها الاليكتروني د. بشير الخضرا

ص12 – العدد الشهري رقم 89

يسرنا في ساخر سبيل انضمام الدكتور بشير الخضرا لكتاب الجريدة وهو الخبير في مجالات الحياة المختلفة والضليع في دهاليزها وخباياها ، وتالياً موجز عن حياته وإنجازاته .

الدكتور بشير محمد الخضرا

الولادة: مدينة الرملة، فلسطين، 25 أيلول 1939
دكتوراه الفلسفة في الإدارة العامة، 1972، جامعة ولاية نيويورك (ألباني).
الأعمال: عمل مدرساً في الجامعة الأردنية وتقلد بها عدة مناصب من 1972 -1990.
عمل أستاذاً و مستشاراً وعميدا ورئيساً في جامعات ومؤسسات عربية عديدة .
النشر: خمسة مؤلفات كتب وحوالي عشرين بحث مختص في مجلات محكمة.
التدريب والاستشارات: العشرات من برامج التدريب والاستشارات التنظيمية والإدارية والأكاديمية في الأردن والعديد من البلاد العربية.
حاصل على جائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها الأولى عام 2007 في موضوع “التنمية وبناء الدولة”، عن كتاب النمط النبوي الخليفي في القيادة السياسية العربية… والديموقراطية، (الناشر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005)

***

بشير سبيل
يكتبها الدكتور بشير الخضرا

المؤامرة أم الاستراتيجية؟
د بشير محمد الخضرا
فتحنا عيوننا وقد وجدنا آباءنا يتحدثون عن “المؤامرة”، أي أن الكثير مما يحدث لنا كعرب أو كفلسطينيين هو نتيجة مؤامرة علينا من قوى خارجية، وقد حُددت تلك القوى الخارجية بانها عموما الدول الغربية. وكان من الطبيعي، إن كانت هناك مؤامرة أو مؤامرات، أن تتوجه أصابعنا الاتهامية إ لى تلك الدول، لأننا في الواقع فتحنا أعيننا لنكتشف أن معظم الدول العربية كانت، حين ولادتنا ونشوئنا، تحت الحكم الأجنبي، ثم علمنا أنه بعد الحرب العالمية الأولى وانتصار الحلفاء وهزيمة السلطنة العثمانية وحليفتها ألمانيا، كانت هناك ثورة عربية كبرى بقيادة الشريف حسين الذي تحالف مع بريطانيا لطرد العثمانيين على وعد من البريطانيين أن يُمَكّنوه من أن يكون رئيسا لدولة عربية موحدة تضم كل الجزيرة العربية والهلال الخصيب ومصر. ولكن الإنجليز، الذين لبسوا ثياب “المحررين” حنثوا بوعدهم وأودعوا الشريف حسين السجن في قبرص، وقسموا التركة العثمانية بينهم وبين فرنسا من خلال ما عُرف باتفاقية سايكس بيكو. كما أنهم أصدروا ما يسمى ب “تصريح بلفور” الشهير ب “وعد بلفور” الذي لم يقف عند الوعد، بل تم إضافته لصك الانتداب الاستعماري بقرار من “عصبة الأمم” ليصبح برنامج عمل سلطة الاحتلال البريطاني بالتنسيق مع الصهيونية العالمية، ليؤدي في النهاية إلى طرد غالبية أهل فلسطين من مدنهم وقراهم وتدمير مئات القرى والمعالم الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل بدعم من تلك القوى الغربية بكل ما أوتيت من قوة. وعدا عن فلسطين، كانت معظم الدول العربية تحت الاحتلال البريطاني أو الفرنسي أو الإيطالي. إن هذه التجارب وغيرها جعلت من الطبيعي للإنسان العربي أن يفكر بأن هناك قوى معينة تتخذ قرارات فردية أو ثنائية أو جماعية لتغزو دولا أخرى وتستولي على سيادتها وثرواتها وكل قراراتها، كما هو حاصل الآن في كل من العراق وليبيا وإلى حد ما، في سوريا. وكل ذلك عزز تفسير الأحداث بتوظيف فكرة المؤامرة.
ومن المهم أن نلاحظ أن التفكير بوجود مؤامرة كان من قبلُ منتشرا في الفكر السياسي والاجتماعي والقانوني العالمي لدرجة أن التفسير المعتمد على وجود مؤامرة أصبح يُعرف ب “نظرية المؤامرة”. كما أننا كعرب لسنا الوحيدين الذين تعرضنا للمؤامرات ولسنا الوحيدين الذين نعتمد على نظرية المؤامرة لتفسير الأحداث الكبرى التي تحيط بنا. ويكفي أن يبحث أحدنا عن مدى انتشار فكر نظرية المؤامرة لِيجدَ مئات المواقع وربما آلاف المقالات حول الموضوع. وقد وجدتُ أيضا أن الكثير من المؤامرات التي تنفذ يسبقها الإعلان عن نوايا أصحابها والحديث عن البرامج والخطط التي يُعدونها، ولكنهم بالطبع لا يُسمونها بتسمية المؤامرة، بل يذكرونها من خلال اتهام بلاد أخرى أو دول أخرى بتهم الإعداد للعدوان أو تهمة وجود أسلحة دمار شامل أو اضطهاد الأقليات أو بظلم مواطنيهم عموما أو باتباع نظم “غير ديموقراطية” أو “غير إنسانية” في حكم شعوبهم، أو قد يشعلون الحروب البينية داخل الدولة أو بين دولتين أو أكثر كما هو حاصل في اليمن وكما هم يُعِدّون لحروب بين إيران ودول الخليج العربي. وغالبا ما يُهددون بماذا سوف يفعلون إزاء ذلك. وقد أظهر الخبير الاقتصادي الأمريكي جون بيركنز مؤامرات بلده الولايات المتحدة على الدول الأخرى المسكينة والمستكينة في كتابه “اعترافات قاتل اقتصادي”، وفي ما تلا الكتاب من عشرات الفيديوهات التي ما زال يُفصل فيها في طرق الإجرام التي كان هو ورفاقه “الخبراء” يتبعونها ضد تلك الدول المستكينة من خلال توريطها في مشاريع كبرى فاشلة وفي الوقوع تحت ديون طائلة لا يستطيعون تسديدها، والنتائج معروفة.
لكن فاعلي المؤامرات لم يعجبهم انتشار تفسير الإحداث بتوظيف فكرة المؤامرة، لأنهم يريدون تثبيت الادعاء بأنهم ما احتلوا أي بلد إلّا لتمدين أهل البلد تحت الاحتلال أو لتنمية بلدهم أو لمنع العدوان عليهم أو نقل الديموقراطية و”القيم المدنية” لأولئك الناس. لذلك بدأ “مفكروهم” بنشر أفكار تُسَخِّف فكرة الاعتماد على نظرية المؤامرة في تفسير الأحداث، حتى انتشر التسخيف إلى بعض مثقفينا، وبخاصة الذين يتماهَون مع الغرب ويحملون كل ما هو آت من الغرب من أفكار، ويعتبرون مثل هذا التفسير شكلا من أشكال التخلف. لذلك من المألوف أن نشاهد بعض المتحدثين في الحوارات مع بعض المفكرين العرب يقولون: “أنتم مسكونون بنظرية المؤامرة!”. وقد انتشر بيننا تعبير “الحق على الطليان”، أو “الحق على الشيطان” كطريقة لتسخيف الاعتماد على نظرية المؤامرة. وقد شعرت بأن بعضنا أصبحوا يخجلون من ذكر “المؤامرة” لئلا يُنظر إليهم كمتخلفين أو هاربين من منطق العقل.
وإني لأعجب للبعض منا الذين أصبحوا يخشون الحديث عن المؤامرة لئلا يواجَهوا بالتسخيف، وسبب عجبي أن الأحداث التي ذكرتها في أعلاه عن تجارب العرب في أشكال الاحتلال الأجنبي، وفي فلسطين بخاصة، وإنشاء الكيان الصهيوني الاستعماري الاستيطاني العنصري (لتكون) قاعدة غربية عسكرية دائمة في وسط عالمنا العربي لُتحكم سيطرة الغربي علينا وتُعزز تقسيمنا إلى كانتونات متحاربة (ونحن نعيش فعلا هذه الأحداث الآن)، والأحداث التي تعم العالم العربي منذ سايكس بيكو حتى اليوم، يجب أن تكون أكثر من كافية للإيمان بنظرية المؤامرة.
وبناءً على هذا الوضع، وضعتُ تفسيرا آخر يُبعدنا عن كلمة “مؤامرة” ويريح أفكار المترددين والمتخوفين من أبناء العروبة الذين يَخشون من أن يُتهموا بالسخافة عند لجوئهم لنظرية المؤامرة. فإن ما يواجهنا كدول مسكينة ومستكينة هو ليس “مؤامرة” بالضبط، بل هو أكبر بكثير من المؤامرة. عندما تفكر دولة قوية أو حركة عالمية قوية (صهيونية عالمية، ماسونية عالمية، إلخ)، أو عندما تتفق دولتان قويتان أو أكثر، أو حركة عالمية أو أكثر، على أن تغزو أو تخترق بلدا غير بلادهم تحت أي مبرر، أو أن تُدمر اقتصاد الغير، فإن ذلك لا يأتي في لحظة غضب أو “فزعة” عابرة (كما يفعل المسؤولون العرب)، بل يأتي بعد تفكير وتدبير طويل، ووضع الأهداف والخطط والبرامج والقوى والمعدات المطلوبة والبرامج الزمنية اللازمة والتمويل اللازم، والموازنات المالية، والأدوات وبدائلها، والتوقيت الزمني للبدء، وغير ذلك من تفاصيل تكون جميعها موثقة لديهم بسرية تامة، لكن يُفصحون عنها باتهامات الآخرين وتهديدهم وتحريك عملائهم في تلك الدول. أتدرون ماذا نسمي هذه التشكيلة في علوم الإدارة والعلوم العسكرية؟ إنها تُسمى “الاستراتيجية” أو “الاستراتيجيات. ولا أظن أن أحدا مثقفا يجهل معنى “استراتيجية”. لذلك، أدعو أبناء جلدتنا، عندما يُناقشون شخصا يستهزئ بفكرة المؤامرة، أي أنه ينكر أن لا شيء أسمه مؤامرة في العالم، أن يوافقوه على ذلك بالقول: نعم، إن ما يُنفّذه الغرب علينا أكبر بكثير من المؤامرة، لأنه استراتيجيات بعيدة المدى، فيها الأهداف النهائية والأهداف المرحلية وكل مكونات الاستراتيجيات المذكورة في أعلاه. أتذكرون ماذا قال الرئيس الأمريكي بوش الأب بعد “تحرير الكويت؟ “لقد رسمنا الآن تاريخ المنطقة لمئة عام قادمة”.
د بشير محمد الخضرا bashir.khadra@gmail.com
***

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock