سل سبيل


شيرين بسيسو في عابر سبيل العدد 120 ص4

والعبور بعنوان - وطن ندى


العابر لهذا العدد هي السيدة شيرين بسيسو – ميسساغا اونتاريو .
والعبور بعنوان – وطن ندى

***
وصلتني دعوه لطيفه من أحد الجمعيات النسائيه لحضور ندوه بمناسبه عيد الحب تحت عنوان سيدات بين الحب و العمل في كندا. أحببت الفكره و العنوان و قررت الذهاب. كنت متشوقه لسماع تجارب سيدات أثبتن وجودهن في كندا. وصلت الي مكان الدعوه و إنبهرت بديكورات المكان المتناغمه ، طاولات فرشت بمفارش بيضاء طويله و فوقها رصت مفارش اصغر حجما باللون الاحمرالبراق ، ورود حمراء تملأ المكان و صحون من الشوكولاته تنتشر في كل الأركان .أعداد هائله من الشموع البيضاء ذات الرائحه العطره رصت فوق الطاولات لتنشر إضاءتها المتراقصه في تناغم رائع مع الخلفيه الموسيقيه الناعمه والتي تصل الي الحضور من خلال مكبرات الصوت المنتشره في القاعه. بعد التحيه و الترحيب بالحضور قدمت لنا رئيسه الجمعيه مجموعه من السيدات ثم وجهت الدعوه الي ضيفه الشرف التي أتت من مقاطعه بعيده جدا عن أنتاريو وتدعى ندى لتقص علينا حكايتها.. نظرت لنا السيده و قالت بصوت فيه رقه وعذوبه: تصادف و صولي أنا و أولادي الي كندا في يوم عيد الحب منذ أكثر من 15 سنه. خرجنا أخيرا من دائره الجوازات بعد إستيفاء كل أوراقنا الرسميه و كانت الموظفه قد إحتاجت الي أكثر من ست ساعات لإنهاء المعامله كدت فيها أن أجن من شقاوه الأولاد، لكن النشوه والراحه التي كنت أشعر بهما لفكره وجودنا أخيرا في بلد آمن جعلتني أكثر تحملا و صبرا على طلباتهم التي لم تنتِه والتي تعددت ما بين رغبه في الاكل او النوم او الذهاب الي الحمام. كنت أنظر اليهم بحنان و شفقه فقد أخذت الرحله الي كندا ما يزيد عن 24 ساعه.. لم يعتد الاولاد على هذا السفر الطويل ، لذلك كنت أعلم أن تلك المطالب التي لم تنته ما هي الا تنفيس عن أحساسهم بالتعب و الارهاق. أخذنا الحقائب و إتجهنا الي باب الخروج و بمجرد ان فتح الباب لدغتنا أول لسعه برد من برد كندا القاسي والذي طالما سمعت عنه..سحبت الاولاد بسرعه بعيدا عن الباب أحكمت لف الكوفيات الصوفيه حول رقابهم و ثبيت الطواقي على رؤسهم، تأكدت من أن اذانهم الصغيره مغطاه جيدا.. أقفلت أزرار المعاطف كلها ثم فعلت نفس الشئ لنفسي و اتجهنا الي ناحيه الباب لننضم الي طابورشكل على جانب الرصيف لاستقلال سياره أجرة تأخذنا الي مقر سكننا الجديد. لم يكن هناك أحد في إنتظارنا فهذه أول زياره لنا لكندا.. كنت قد إخترت الهجره الي هنا بعد أن سمعت الكثير عن حقوق الانسان فيها و تشجعت أكثر عندما قيل لي ان هناك الكثير من الامتيازات في إنتظاري لكوني فقط إمرأه و ايضا أم عزباء لأطفال..ما وصلني من وصف و حديث جعلني أظن انني وصلت أخيرا الي جنه الله على الارض. كانت خدمه توفير سيارات الاجره منظمه و سريعه ،كان السائق من أصل عربي مما اراحني كثيرا ، أحساس بالألفه كنت في أمس الحاجه اليه بعد تلك الرحله الطويله المضنيه. لم تمر دقائق على وجودنا داخل سياره الاجرة حتي غرق الاولاد في النوم و بدأت أنا والسائق الحديث عن كندا، كان هناك الكثير من الوقت فالبيت الذي كنت قد إستأجرته يبعد حوالي ساعه عن المطار. خلال الطريق سألت الكثير من الاسئله و إستفسرت من ذلك السائق الطيب عما يمكن أن أفعله هنا كسيده وحيده مع أطفالها. كان السائق كريما جدا في معلوماته ، سجلت ملاحظاتي على ورقه حتي لا أنسي. كنت أعي تماما أن عقلي سينسي كل شئ فيما بعد نتيجه إرهاق الرحله..وصلنا الي الشقه و قال السائق لي ، نصيحه اخيره يا أختي ، حاولي ان تدخلي وتنخرطي في المجتمع الكندي عن طريق العمل او الدراسه.. لا تعتمدي على المعونات الحكوميه كأساس لحياتك.. أعطي لتأخذي ، كندا مكان جميل للعيش لمن يريده جميلا و شقيا لمن يريده كذلك. لم يأخذ ترتيب وضعي في كندا الكثير من الوقت، إلتحق الاولاد في المدرسه المقابله للمنزل خلال أيام معدوده من وصولنا، وبدأت أنا رحله استكشاف للمكان حولي، ساعات طويله قضيتها امام شاشه الكمبيوتر باحثة عن خطه لتسير حياتنا هنا . فهمت تماما من خلال بحثي عن عمل أنني لن أستطيع الالتزام بساعات محدوده . فأنا يجب أن اكون متواجده دوما لاي طارئ ممكن ان يحدث للاولاد في المدرسه بالاضافه لان ساعات العمل تنتهي عاده في الخامسه مساءً ، سيكون الاولاد قد عادوا من المدرسه و لن يكون هناك أحد في إنتظارهم. لذلك وجدت في دراسه العقار ضالتي، فالدراسه لن تأخذ وقتا طويلا و سأتحرك بحريتي و أتحكم بوقتي. خلال سنوات قليله لمع إسمي كمستشار عقاري ، أحببت عملي و أخلصت له .. أعطاني كما أعطيته.. كنت أشعر انني سببا في إهداء زبائني وطن صغير خاص بهم يتمثل في بيت أو شقه.علاقتي بأغلب زبائني لم تكن تنتهي بالحصول على العقار فقد كنت مرجعا لهم لخبرتي الطويله في كندا. عندما تعرفت على أحمد كان قادما جديدا لكندا، سمع عني من احد اصدقائه ، كلمني وطلب مني أن أجد له شقه مؤقته للاقامه فيها هو و العائله الي أن يستقرتماما و يشتري منزلاثم حدد لي ما يريد،عندما قابلته لاول مره كانت معه زوجته و الاولاد . كان قد وصل الي كندا وإتجه مباشره الي العنوان الذي زودته به للشقه و كنت أنا في إنتظارهم هناك. أحمد صاحب كاريزما واضحه ، تشعر في أول لقاء معه كأنك تعرفه منذ زمن، ذكي جدا و لماح، الاولاد كانوا غايه في الادب ،أما زوجته فلم تتكلم أبدا خلال اللقاء ، لم ينطق لسانها سوي بالتحيه و بعد ذلك سكتت تماما.. سألتها أن كانت الشقه قد أعجبتها ، إبتسمت ورد أحمد بدلا منها و إستمرت صامته. غادرت الشقه على إتفاق للقاء جديد بعد أسبوعين للبدأ في رحله شراء منزل العائله. لم يكن سهلا إيجاد ما يريده أحمد،إستمر البحث الي ما يقارب السنه ، خلالها تعرفت عليه أكثر و إقتربت من حياته .. كنت حريصه أن اضع حاجزا بيني و بينه .. كنت أشعر بنظرات الاعجاب في عينيه لذلك حاولت قدر المستطاع أن أبقي االعلاقه في حيز العمل.. ربما لو لم يكن متزوجا لكان الوضع مختلفا لكن وجود زوجه و أطفال كان عائقا أمامي لكي تكون هنالك أي علاقه من اي نوع غير العمل. استطاع أحمد بذكائه خلال تلك السنه أن يستثمر امواله ، فتح مشروعا مربحا بدأ يدر عليه خيرا كثيرا سريعا..أصبح لأحمد أسم في السوق وإستمرت علاقتنا من خلال زبائن مشتركه بيننا. سنيين مرت فيها بدأت علاقتنا تأخذ منحني أخر.. بدأت أشعر بحبه يتسلل إلي أوصالي ، بدأت مقاومتي لرفض العلاقه تضعف، حاولت الانقطاع عنه، كنت أغيب بالاشهر و عندما يقتلني الحنين اليه أفتعل حجه لأطلب لقاءه في عمل ما،عندها أجده أكثر لهفه مني لهذا اللقاء..كان أكثر مني شجاعه في تعبيره عن حبه.. كنت معه أشعر أنني أهم إمرأه في الوجود.. وجوده بقربي عوضني عن سنوات العذاب مع زوج تعمد أذيتي وأذيه أولادي.. عن موت الاهل و الاحبه.. عن سنين الكفاح في كندا..وعن الوحده القاتله التي بدأت أشعر بها بعد تخرج الاولاد و خروجهم من تحت جناحي ليشقوا طريق حياتهم في مقطعات بعيده في كندا. أحمد كان بالنسبه لي وطن أسكن به كلما ضاقت بي سبل الحياه.. وطن إحتواني و قبلني كما أنا.. بضعفي و قوتي.. بعقلي و جنوني .. بنجاحي و فشلي. كنت قانعه.. ورغم رغبتي الجياشه في أن أكون له كان وجود زوجته حائطا سدا لم أعرف كيف أتعامل معه.. كنت أعلم أن علاقته تدهورت بها بعد مجيئهم إلي كندا.. و أن البعد و الهوه بينهم زادت كثيرا خاصه بعدما كبر الاولاد و أن خلافاتهم لا تنتهي . مل أحمد من كثره إلحاحه في طلبي للزواج و من كثره رفضي للموضوع..أخبرته إنني لا أستطيع الزواج برجل متزوج و ايضا أخبرته أنني لن أقبل به لو حتي لو فكر أن يطلق زوجته فأنا لن أستطيع أن أبني سعادتي على أشلاء تعاستها.سنين عده مضت ووجدت أحمد يخيرني إما الزواج أو إنهاء العلاقه بالكامل..!! تساءلت كيف سأعيش من دونه؟ كيف سأتخلي عن وطني بعدما عثرت عليه.؟ كيف سأواجه الناس والعالم إن قبلت؟ كيف سأتعامل مع فكره كونه متزوج بإخري؟ أسئله كثيره لم تتوقف عن طرق رأسي دون إجابه…مهلتي قربت على الانتهاء و أحمد في إنتظار القرار!!! ضعفت ووافقت،نعم وافقت و رضيت أن أكون زوجه أخري .. زوجه بالسر .. كل ما كان يعنيني في ذلك الوقت هو عدم الابتعاد عمن وهبته قلبي و روحي..حبي له لم يكن نزوه.. لم يكن إندفاع أو فراغ بل كان حب مختلف، حب إمرأه عركتها الحياه و جار عليها الزمان.. حب إمرأه نضجت نتيجه القسوه و القهر.. حب إمرأه كونت شخصيتها و مكانتها من أشلاء قلب كسر مرات و مرات. تم الزواج .. تم في هدوء و سكون.. هدوء لا يتناسب مع صخب مشاعري.. تم من غير إحتفال ، من غير دبله ومن غير شهر عسل.. كل ذلك لم يكن يهمني كل ما أسعدني كان إحساسي انني أصبحت له.. كنت أعلم تماما أنني له وانه ليس لي على الاقل ليس لي كاملا ، كنت أدرك مسؤولياته و التزاماته ، كنت أعي أنني في آخر القائمه و مع ذلك قبلت..كنت في حاجه الي رفيق وونيس .. كنت في أمس الحاجه الي من يمنحني الاهتمام..أعطاني ما أردت، معه كنت أشعر أنني أهم إنسانه في الوجود.. قربه مني كان يشحن طاقتي.. بوجوده كنت أشعر أنني أستطيع تحريك الجبال. في البدايه كان حريصا كلما إلتقينا أن يكون معي قلبا و قالبا.. كان لا يسمح لشئ أن يعكر صفو تلك الساعات القليله التي نسرقها من عمر الزمان .. كانت يقفل هاتفه المحمول تماما.. كان يحرص أن اكون أنا محط الاهتمام .. كان يسألني عما أحب من الاكل او المشرب ليأتي به الي.. لم أكن اريد من الدنيا أكثر من هذا.. كانت سعادتي لا توصف مع الوقت تغير الحال .. اصبحت أسال متي نلتقي؟ فتكون الاجابه مشغول.. سأري.. سأخبرك لاحقا.. وإن طلبت اللقاء لشرب القهوه معه يكون الرد الفوري، لا أستطيع لدي عمل و زبائن و.. و.. لم يعد لي وحدي،حتي أثناء لقاءاتنا، أصبح يفتح جواله و يرد على محادثيه.. تفكيره بات مشتتا بيني بين العالم كله.. نسي أن وقتي معه محدود و أننا نسرق من الزمن لحظات اللقاء. إعترضت و غضبت ، طلبت منه أن يمنحني وقتي كاملا فأنا لست صديقته بل زوجته.. نعم، أعلم أنني لست زوجه كامله لكن مهما صغرحجم وجودي في حياته فحقي أن يحفظ لي وقتي معه..فهم كلامي في البدايه لكنه لم يمهلني طويلا وعاد الي ما كان عليه. بدأت العلاقه تتزلزل، و بدأ هو بسياسه الاهمال لمعاقبتي.. إن غضب مني أهملني و لم يسأل عني حتي و إن كنت في أمس الحاجه له.. لا مانع لديه من الابتعاد عني لأيام و اسابيع دون معرفه شئ عني..لم يفهم ان ذلك يقتلني ببطء.. لم يع رغم انني زوجه بالسر و دون حقوق إلا أنني مازلت زوجه تحتاج لزوجها.. لم يدرك انه يقتل حبي له بسكين بارد.. يمزق روحي و يفتت قلبي.. لم يقدر أنني لا أطمع من زواجي به بإي شئ سوي قربي منه.. لم يفهم كم يؤلمني. كنت دوما أسأل نفسي الا يعنيه أمري .. هو زوج لاثنتين الاولي يعرف أين هي دوما.. عندما يخلد الي سريره ليلا يعلم ما حالتها.. إن إحتاجت أن تراجع طبيبا كان معها.. إن تعرضت لطارئ كان بقربها ، أما أنا فقد كنت وحدي و مازلت وحدي.. أنام و دمعتي على خدي و أتساءل ما جرمي؟؟ امسك بهاتفي عشرات المرات بحثا عن رساله منه يسأل بها على فلا أجد.. ما زلت أحارب مشاكلي بنفسي و سلاحي هو سيف من خشب لا يذود عني ..أتلقي الطعنات الواحده بعد الأخري و هو يقف مني موقف المتفرج.. سألته لما؟؟؟ و لم أجد إجابه شافيه أو منطقيه لا أعرف ماذا يريد..لا أدري ماذا يتوقع مني..حاولت أن أفهم وحدي و لم افلح .. هل ظن أنني طمعت فيه!!سألت نفسي كيف ممكن ان يحدث ذلك في بلد ككندا.. وجدت انه من الجنون مجرد التفكير بذلك..بيته ملكه و ملك زوجته.. تجارته مهما ازدهرت و إنتعشت لا دور لي فيها و لا حق بل هي من حق زوجته الاولي و الاولاد.. أملاكه الأخري إينما كانت لا ناقه لي فيها و لا جمل.. لم أطالبه يوما بالعدل بيني و بينها حتي و إن كان ذلك حقي.. لم أطلب منه حتي المساعده في أحلك أيامي و أقسي ساعات إحتياجي.. استجمعت شجاعتي وواجهته.. ذكرته بما قبلت به و تنازلت عنه لاكون بالقرب منه.. أجابني إن تكرار الحديث عن تنازلاتي و تضحياتي شئ يعكر عليه صفو تفكيره و يضايقه و يحسسه بالعجز.. أخبرني أنه قد حذرني من ذكر ذلك … صدمتني كلمه “حذرتك”..ربط تضحياتي بكلمه تحذير!!! عندها أدركت أنني خسرت وطني.تدحرجت دمعه على خد ندي و طأطأت رأسها…سكتت تماما..صراخ سكوتها كان عاليا جدا صم أذاننا فلم ننطق بحرف. شعرنا بوجعها و لكنه لا توجد كلمات لتواسيها.. ندي ليست صغيره العمر بل خطوط الشيب قد خطت علي رأسها منذ سنين.. أصبحت جده ولا مكان للعبث في حياتها.. ليست مراهقه أو ساذجه بل هي سيده فاضله سعت بكل قوتها لترسم إسمها في بلاد الغربه بحروف من نور.. إمرأه حفرت الصخر بأظفارها حتي تصل الي ما وصلت اليه.. لم تستسلم و لم يهزمها شئ..من هزمها كان أحمد ، تجرأت سيده من الحاضرات و سألت ثم ماذاحدث بعد ذلك؟؟ إبتسمت ندي لأول مره منذ أن بدأت الكلام،إبتسامتها كانت ساحره رغم الحزن الساكن في عينيها، قالت إبتعدت تماما …ما زال فكري مشوشا، و مازلت أسأل وأتساءل، لذلك لا مجال لاتخاذ قرار و أنا في هذه الحاله، قلبي مفطور و لكن عقلي يوجهني الي الهدوء.. وضعت حزني و خيبه أملي على جانب للتعامل معهم فيما بعد.. قررت أن أركز على عملي و أغوص فيه..سأقف و سأنفض التراب عن كتفي.. سأستل سيفي الخشب من غمده و سأواجه العالم وحدي كما إعتدت.. لم أصل إلي ما أنا فيه بسهوله ولذا لن أتخلي عنه بسهوله..أما أحمد فليسامحه الله و يعينه على نفسه . ( الموضوع يبدو طويل يمكن الاستكمال بصفحة 6)
***

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock