ثقافيات

ثنائية نيسان الفلسطيني …الموت والحياة

د. نهى عفونة/العايدي

كندا سبيل – ميسيبساغا- اونتاريو

كتبت : الدكتورة نهى عفونه العايدي .


***
سمي نيسان عند الرومان نسبة إلى معبودة تسمى (إبريل) وهي التي تتولى فتح الأزهار، وفتح السماء لتضيء الشمس ، وقال عنه الشاعر الانجليزي (ت.س. إليوت) في قصيدته الشهيرة ” الارض اليباب” هو شهر الرغبات ، وربما هذا ما يعنيه لكل العالم . ولكن نيسان الفلسطيني هو شهر الأحزان والمآسي وذكريات شبح الموت والدمار في أماكن الإنسان الفلسطيني وعلى امتداد أزمنته . حتى أصبح يعرف عند الجميع بشهر المجازر والشهداء والأسرى.
ففي عام النكبة وقعت مجزرة اللجون في الثالث من نيسان ، وتلتها في اليوم التاسع مجزرة دير ياسين وفي اليوم الثاني عشر مذبحة قالونيا وفي الأيام الرابع عشر والتاسع عشر والثاني والعشرين على التوالي مجازر ناصر الدين وطبريا وحيفا، ولم يتوقف البطش عند سنة النكبة ، في سنة 1956 في الرابع والخامس من نيسان وقعت مذبحة غزة الثانية وقي الثامن من نيسان عام 1970 كانت مذبحة بحر البقر، ويستمر الموت فاغرا فاهه وغارسا مخالبه في الجسد الفلسطيني مع مرور الزمن .وفي الثامن عشر من نيسان عام 1996 وقعت مجزرة قانا والفاعل نفسه والمفعول بهم ومن وقع عليهم فعل الموت هم أنفسهم ؛ الفلسطينيون المعذبون في الأرض ،ولا يمكن نسيان الأول من نيسان سنة 2002 مجزرة مخيم جنين ، وتلاها بعد عام الذكرى المؤلمة لكل فلسطيني أيضا سقوط العاصمة بغداد سنة2003 وفي تاريخ اليوم نفسه لمجزرة دير ياسين ، وتاريخ الانكسارات لا يرحمنا ففي القرن الثالث عشر الميلادي وفي نيسان تحديدا سقطت بعض ممالك الأندلس كقشتالة وقرطبة . ما أقساك يا نيسان !! .
وفي أيام متفرقة وعلى مدى سنوات متتالية في شهر نيسان الفلسطيني ، ارتقت قوافل من الشهداء الأبرار في سماء المقاومة والكفاح ، وسطرت بموتها بل باستشهادها صفحات عز في حياة الشعب الفلسطيني ونضاله . وأستذكر هنا بعضهم على سبيل المثال لا الحصر : عبد القادر الحسيني، الكمالان ( كمال ناصر وكمال عدوان) وأبو يوسف النجار ،وأول الرصاص أول الحجارة خليل الوزير ، وعبد العزيز الرنتيسي ، وأبو جندل (يوسف ريحان) بطل معركة مخيم جنين … والقائمة تطول وتطول برحيل قادة مؤسسين أسهموا في الفعل الثوري والنضالي انتقلوا إلى الرفيق الأعلى في شهر نيسان منهم : عثمان أبو غربية وربيحة ذياب وغيرهم من المناضلين من أبناء الشعب الفلسطيني الصابر .
ويصادف يوم الأسير الفلسطيني في السابع عشر من نيسان، نقف في كل عام وقفة خطابية بأصوات مجلجلة متمنين لهم الحرية القريبة ، وبالأخص الأسرى القدامى والأطفال والنساء، ونشتذكرعميدهم كريم يونس، ونائل البرغوثي وثائر حماد ومروان البرغوثي…والقائمة تطول بالاعتقالات المستمرة .
ويأتي يوم الأسير هذا العام وكلنا أسرى في بيوتنا ، ولكن أسرى خمس نجوم ، لعلنا بعد ” خليك بالبيت” يزداد الشعور لدينا بضرورة التضامن مع أهالي الأسرى في الوقفات والمطالبة باطلاق حملة دولية للافراج

عنهم ، حيث كانت المشاركات في السابق متواضعة وأحيانا لا يتجاوز عدد المتضامنين المتواجدين في خيم الاعتصام مع أهالي الأسرى أصابع اليدين .
وبما أننا محكومون بالأمل ، فإننا على يقين أن الربيع الذي يتفتح في سهول وجبال فلسطين بألوانه الزاهية وشقائق النعمان القانية في احمرارها ، إنما رويت بدماء الشهداء الأبرار ، وتفتحت واشرأبت للحياة في نيسان لنهديها باقات عز وشموخ لعائلات الأسرة الصابرة، عدد ورداتها بعدد كل نيسان مر على فلذات أكبادهم وراء القضبان . سنتحداك يا نيسان المؤلم ونرسم لوحات النضال الفلسطيني ، لأننا نعرف أن الشهر الرابع في السنة الهجرية هو ربيع الثاني فسنعتمدة لحياة أخرى للشعب الفلسطيني تنبثق من الموت والحزن. بل سنتجاوز قسوتك يا نيسان الشهور الميلادية ، ونعتمد نيسان في اللغة السريانية والذي ترتيبه الشهر السابع ، والرقم سبعة هو شارة النصر في معجمنا النضالي . نؤمن أن نيسان الفلسطيني والذي كثرت فيه الموت ، له وجه آخر لابد أن نحوله إلى رمز للحياة ونتذكر ميلاد أيقونة الأدب المقاوم غسان كنفاني فيه.
أمنياتنا بالفرج العاجل لأسرى الحرية ليتنفسوا ربيع الوطن ، ودعاؤنا بالرحمة والمغفرة لمن هم أكرم منا جميعا . وإننا هنا باقون معمرون كأشجار الزيتون المتجذر في الأرض واليانع خضرة في كل الشهور .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock