ثقافيات

الغائب الحاضر أحمد التنوري نجم”أمسيات شعرية”

كتب :الدكتور أحمد البوريني

خاص بكندا سبيل
***

بحضور أسرة المرحوم الشاعر أحمد التنوري وأصدقائه المقربين ورفاق دربه في لبنان وكندا، خصصت أسرة “أمسيات شعرية” أمسيتها السادسة والأربعين لإبداعات الشاعر التنوري حيث ألقى العديد من أصدقائه ونخبة من شعراء الأمسيات مختارات من قصائد ديوانه (نفحات من القلب) الذي صدر في عام 2014، في حين آثر بعضهم إهداء قصائد خاصة من نظمهم إلى روح الشاعر، وفاء لذكراه وتذكيراً بمناقبه، وإشادة بعطائه الأدبي على مدى عدة عقود.

وكان الشاعر أحمد التنوري قد توفي مطلع الشهر الحالي بعد معاناة مع المرض الذي لم يمهله طويلاً، إلا أن حضوره كان طاغياً في كافة أرجاء مسرح مدرسة جون كابوت في ميسيساغا – كندا، المكان الذي احتفى دوماً بأدائه نجماً متألقاً، وشاعراً فذاً محباً للغة والأدب والثقافة العربية عموماً، ومعتزاً بوطنه الأم الذي لم يكد يغيب عن قصائده في أي مناسبة، بل كان دوما حاضراً بين ثنايا نصوصه الشعرية وتفعيلات أبياتها، لكأن أحمد قد توحد مع وطنه الأم ليصير مثل لبنان الغائب الحاضر في الوجدان.

افتتح الأمسية كل من الشاعر محمد رباح والشاعر رضوان أبو فيصل، اللذين يديران دفة الأمسيات الشعرية منذ انطلاقتها، بالدعوة للوقوف دقيقة صمت، وقد شكلت المبادرة المتمثلة في تخصيص الأمسية السادسة والأربعين لشعر أحمد التنوري لفتة إنسانية وأدبية، لاقت استحساناً وتجاوباً من جانب محبي الشعر العربي، ومحبي التنوري الإنسان والشاعر.
وقدم الأستاذ محمد رباح في قصيدته (رثاء أحمد التنوري) التي تعبر عن وجع غياب الصديق وألم فقدان شاعر الأمسيات، وجاء في قصيدته:
في علمه الغيبُ أم حلّت بلا سببِ فجيعة الموت واختارت أولي النُجُبِ
من دار ظلمٍ إلى أحضـــــــــان خالقهم يسعى العباد بموفورٍ من الطلبِ
غاب الصديق عن الدنيا بلا صخبٍ كأنه الغيم ولّــــى دونما صــخبِ

ومن الأبيات المؤثرة في القصيدة نفسها، والتي يسلم الشاعر رباح فيها بقضاء الله رغم ألم الفقد:
أحمدْ، فقدتك بين الناس في عجلٍ أدعوك أدعوك لم تسمع ولم تجبِ
دنياك صارت بحكم الله في خبرٍ لكن روحك ما زلت على قرب
الله يغني ونحن الخلق قبضَتُه بالسيف نقضي وأحياناً من الوصبِ

من جانبه، عبّر الأستاذ خالد حميدان، وهو من الأصدقاء المقربين من الشاعر عن عمق محبته واعتزازه بأحمد التنوري؛ حيث وصفه نثراً بكلمات مؤثرة قال فيها:
” عرفته الإنسان المتميز بوداعته وبراءته اللتين قرّبتا إليه كل من عرفه فأحبّه .. كما عرفته الشاعر المتطلع إلى رؤى الخيال البعيد، في محاولات دؤوبة ومطالعات مستفيضة لاستنباط وكشف مكامن هذا العالم، من حب وعلم وجمال، ولم يجزم يوما بما كان يعلم، وكأن في محاولاته لكشف أسرار الكون القدسية طوال سنيّ حياته المعرفية، ما يسقط “الأنا” الشخصانية في هاوية الباطل ومستنقع العدم، فتطمئنُّ الروح وتحدث بما تأتيه .. بنعمة ربها!!”
ثم ألقى الشاعر المبدع والمتألق دوماً الأستاذ ذوقان عبد الصمد قصيدته (ما جئت أبكيكَ) وهي إهداء إلى روح الشاعر والصديق أحمد التنوري، فخاطب عبد الصمد صديقه الراحلبأسلوب متفرد في الصنعة والإلقاء،يناجيه:
ما جئت أبكيك، حيٌّ أنت، ما انخطفتْ يمامة الشعر ما أودى بها القدرُ
ما جئت أبكيك لا يقوى على وجعي نبض الحروف وما رقت به العبرُ
لما أســــــــائل عنك الغــيب يبرق لـــي ماضٍتحنُّ إلى أفيائه الذكرُ
وتُبعد الموت تأتي أنت مؤتلقاً لم يبق ما بيننا ليلٌ ولا سُتُرُ
أرى بقربك أصحابي الألى رحلوا ومَنْ إلى سُدرات المنتهى عبروا
وقال عبد الصمد في القصيدة نفسها مستذكراً صديقه ومعبراً عن الصدمة التي عصفت رياحها بكل منهما لتخطف السكينة والحلم بالآتي:
كنا معاً نرقب الآتي وما خطرت ظلالنا برياح الموت تنحسرُ
كنا معاً نرقب الآتي وما خطرت ببالنا موحشات الغيب والكدرُ

كذلك القى الشاعر رضوان أبو فيصل مقاطع شعرية مختارة للشاعر الراحل؛ ثم عبر بقصيدة جميلة من شعر العامية الشعبي خاطب فيها روح أحمد العائدة لتسكن مطمئنة إلى جوار ربها، قال فيها:
رجعت يا أحمد روحك لهونيكْ
وهونيك بيّ الكلْ
الله استقبلا ونامت ارتاحت
وعند الفجر قلّا .. روحي ابرمي بهاك الأرض كلّا
وعند الغياب بترجعي تنامي نوم الهنا عسطوح راشيّا

ثم ألقى الدكتور أحمد البوريني قصيدته بعنوان (رحيل شاعر) التي أهداها إلى روح المرحوم أحمد التنوري، معبراً عن المصاب الأليم بموت الشاعر ، بعيداً ووحيداً عن مراتع الصبا في وطنه، مما يوجع الروح فيذوي مع ذلك الخطب الحلم الذي راوده سنين؛ ومن ضمن ما جاء فيها:
يشـــــدُّ العــــــــزمَ يرتحـــــــــــلُ بليـــــــلٍ خَـــطبـُهُ جــَــللُ
منــــــــادي المـــــــوت يطلبـــــهُ فلـــــــبّى مـــــــا بـــه وَجـــَـــلُ
وزلــــــزل موته الشعرَ فلا مدحٌ ولا غزلُ
وعطّل ألف قافيةٍ وهاج الهزجُ والرَمَلُ*
وهاجـــرَيبتــغي وطـــناً به الأحلامُ تكتملُ
وبعد سنين في الغربهْ تعتق خمرها العللُ
فيصرخ نبضه وجعاً: بروحك يسكن الخللُ
غريبٌ أنــت يا وطـــني أيسبقُ حضنَك الأجلُ ؟
وحيداً عاش أُحجيةً يفــرُّ إليـــك لايصــــــلُ
(* الهزج والرمل: من أسماء بحور الشعر)

كذلك ألقى شعراء آخرون مقاطع شعرية متميزة ومنهم الشاعر محمود الحلبي الذي أهدى تحية وفاء لروح الشاعر:
تحية وفاء لروحك سلاما يا من بفضائله سما وتسامى
فراق الأحبة موجع ومؤلملكن فراقك يزيدنا إيلاما
وقرأ الشاعر محمد أبو حمدان مقتطفات من شعر التنوري، ثم بعضاً من أشعاره، تلته الأستاذة خولة السنجري التي تحدثت بكلمات مؤثرة عن سجايا التنوري ورقيه في التعامل ثم قرأت بعضاً من قصائد ديوانه.
ثم تحدثت الآنسة نغم احمد التنوري إلى جمهور الأمسية باسمها ونيابة عن أسرة الفقيد لتعبر عن مشاعر مختلطة من الألم لفقد الأب والصديق؛ ومشاعر الغبطة في الوقت نفسه بهذه اللفتة الكريمة من جانب جمهور وشعراء “أمسيات شعرية” للوقوف على مآثر التنوري محبةً وتقديراً.

وفي الجزء الثاني من الأمسية قدمت الأستاذة خولة السنجري بأدائها المعهود في الأمسيات وحسها الشعري المرهف قراءة سردية نقدية ومختارات من شعر الشاعر العراقي “عبدالرزاق عبدالواحد” بوصفه أحد القامات الشعرية العربية، وصاحب الحضور الفاعل في معظم جلسات مهرجان المربد، وصدرت له أكثر من أربعين مجموعة شعرية. وألقت الأستاذة خولة أبيات للشاعر بعد الاحتلال الأمريكي للعراق من قصيدته (يا نائي الدار):
لا هم يلوحون لا أصواتهم تصل لا الدار لا الجار لا السمار لا الأهل
وأنت تنأى وتبكي حولك السبل ضاقت عليك فجاج الأرض يا رجل
خير الأنام العراقيون يا وطني وخيرهم أن أقسى مرهم عسلُ
وهم كبارٌ مهيبات بيارقهم شم خلائقهم خيالهم بطل
فكيف أعراضهم صارت مهتكة وحولهن ستور الله تنسدل
يا أهلنا ليس في حرب العدا خلل بل قتلكم بعضكم بعضاً هو الخلل

وفي ختام الأمسية، تقدم الحضور لأسرة الشاعر أحمد التنوري بخالص التعزية متمنين أن يلهمهم المولى سبحانه الصبر والسلوان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock