ثقافيات

عابر سبيل ص4 – العدد 138 والدكتور بشير الخضرا.

العبور بعنوان : الصهيونية تحكم العالم، المقاربة الأدق في التحليل السياسي.


عابر سبيل في هذا العدد هو: د. بشير محمد الخضرا
والعبور بعنوان : الصهيونية تحكم العالم، المقاربة الأدق في التحليل السياسي.

لقد ذكرت في مقالة سابقة أن أحداث العالم الآن تشير بما لا يقبل الشك إلى أن الصهيونية العالمية هي التي تحكم العالم اليوم، بل إنها أصبحت فوق الدول، بما فيها الدول الكبرى. وإذا انطلقنا من هذه النتيجة، يجب أن نُدخلها في تحليلاتنا فيما يتعلق بالأحداث الدموية التي نشاهدها تغمركل منطقتنا العربية، وبالتخصيص في فلسطين غزة وكل فلسطين. ولكن المؤسف في غالبية الجلسات التحليلية التي نشاهدها على شاشات القنوات الفضائية العالمية والمحلية والندوات الثقافية أن الدور الصهيوني في كل ما يحدث لا يُعطى “حقه”، بمعنى أن المحللين “متفقون” ضمنا على استبعاد الدور الصهيوني، مع تركيزهم على دور اللاعبين كرؤساء دول أو زعماء الحركات. لكننا بمثل تلك المقاربات لا نلحظ الروابط الصهيونية التي تربط بينهم، فلا ننتبه إلى أننا وصلنا الى المرحلة التي أصبحت فيها الغالبية الكبرى من متخذي القرارات الكبرى في العالم هم صهاينة يعتزون علنا بذلك. ومن المنطقي أن نفترض أن رابطة القربى الصهيونية “تجُبّ ما قبلها” فَيَصِلُ ولاؤهم للصهيونية للمستوى الذي يعلو على ولاءاتهم الآخرى (قوميتهم، دينهم، دولتهم، إلخ.).
فمن خلال العمل الدؤوب على مدى قرنين من الزمن استطاعت الصهيونية لعالمية أن تتحشد إمكانات هائلة من النفوذ المهيمن قوي الجذور الذي يفوق نفوذ الدول، حتى الكبرى، معتمدا ،كما هو معلوم، على سيطرة المال والإعلام والجاسوسية والصناعات والعلم والتكنولوجيا وما إلى ذلك، مع الحرص على إثبات الوجود اليهودي بالذات (الصهيوني بالطبع) في كل موقعِ قرار في العالم وأصبحت الدول ذاتها محكومة للصهيونية، بما فيها “الدولة العظمى”: الولايات المتحدة، ناهيك عمن هم دون ذلك. وأصبح الوضع العالمي يخضع لما يُشبه الحكومة العالمية، ولكنها أبعد ما تكون عن الحكومة العالمية التي كان يحلم بها بعض الحالمين بالسلام العالمي والمحبة الإنسانية كبعض الفلاسفة والمفكرين وأصحاب الأفكار الكبرى؛ فهذه القوة (الصهيونية) هي قوة مخفية لا ديمقراطية نُخبوية، هدفها استغلال ثروات الشعوب الضعيفة لصالحها وإفقار تلك الشعوب واخضاعها بِذل مُقيم لا يسمح لمن تحت السيطرة بأي انفكاك .
وإذا تبنينا هذه المقاربة، فلا بد من تصحيح بعض المفاهيم حتى تكون تحليلاتنا أقرب للواقع.
• تطبيقا على الأحداث الجارية حاليا في غزة المجاهدة، من الأدق أن نقول إن الصهيونية العالمية تعتدي على الشعب الفلسطيني وعلى مقاومته بقصد إبادته بتوظيف الأداتين الأمريكية والإسرائيلية ، بدل أن نكتفي بالقول إن هناك حربا بين “إسرائيل” وحماس. ومن هذا المنظور تصبح مقولة: “يجب أن تضغط أمريكا على إسرائيل” نكتة ساذجة أو سخيفة.

• يجب النظر إلى كل من بايدن ونتنياهو على أنهما “كصهيونيين” أداتان من أدوات الصهيونية العالمية وأن خلافاتهما هي في الواقع ضمن الإطار الصهيوني الذي يلتزمان بأهدافه. وعلى الرغم من أن غالبية المحللين يفسرون إطالة مدة حرب الإبادة التدميرية على أهل غزة من منطلق إصرار نتنياهو على الاستمرار، فمن الأدق أن نقول إنه لولا أن موقف نتنياهو هو الأكثر قبولا للصهيونية من موقف بايدن، لكان هناك شأن آخر بغض النظر عن همُوم كل من “الزعيمين”.
• من خلال هذه المقاربة يمكن تفسير ما حدث بالنسبة لمجموعة الدول ال (56) التي لم يتعدَّ دورها الخطابات والدعوات للغير لعمل شيئ ما، وحتى وعودها لم تفِ بأي منها، والتفسير هو ما ذكرناه في أعلاه عن غالبية متخذي القرارات الدولية. وهنا يظهر الانضباط جليا في سلوك القيادات، ما يعكس دور الإعداد الدقيق الذي تقوم به الصهيونية العالمية لمتخذي القرار في مختلف الدول، فكانت النتيجة (صفر) أمام المذابح التي قلّ نظيرها في التاريخ.
• من المنطقى أن نتصور أن أي صهيوني في أي مركز قرار لا يكون وحيدا في محيطه، بل إنه يجد الدعم اللازم من أفراد أو هيئات آخرين مثله، يراقبونه ويوفرون له النجاح، كما نرى كيف أن رئيس الولايات المتحدة، مثلا، يجد الدعم من أعضاء صهاينة في الكونغرس بغض النظر عن الحزب الذي ينتمون إليه، خاصة فيما يتعلق بإسرائيل والمقاومة الفلسطينية.
• كل ذلك يعني أن على المحللين أن يستكشفوا ما هي أهداف الصهيونية في كل حالة، فالصراع الملحمي القائم الآن حول تحرير فلسطين واسترجاعها زاخر بالأمثلة التي تستدعي تبني مقاربة سيطرة الصهيونية العالمية كسوبرباور فوق الجميع في كل هذه الأحداث، ولا مجال للتوسع هنا، وعلى المحللين الواعين الانتباه إلى ذلك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock